غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ويشرع إيكاء السقا وغطا الإناء وإيجاف أبواب وطفء الموقد

( ويشرع ) أي يستحب ويسن ويندب شرعا ( إيكاء ) مصدرا كمنع [ ص: 434 ] استوثق إكاءة وإيكاء ، والوكاء ككساء رباط ( السقا ) ككسا أيضا جلد السخلة إذا أجذع يكون للماء واللبن ، جمعه أسقية وأسقيات وأساق كما في القاموس ، يقال وكا السقا والقربة وأوكاها وأوكأ عليها ، والمراد كل ما شد رأسه من وعاء من نحو قربة ( و ) يشرع لك أيضا أيها المتشرع الذي لآداب الشريعة واقتفاء آثارها متشوف ومتطلع ( غطاء ) أي تغطية ( الإنا ) وهو الوعاء وجمعه آنية وجمع الآنية أواني ، لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي الإناء ونوكي السقاء } .

وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي قال { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن من النقيع ليس مخمرا ، فقال : ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا } زاد مسلم قال أبو حميد { إنما أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلا ، وبالأبواب أن تغلق ليلا } والصحابي أعلم . قال في مشارق الأنوار : قوله بقدح لبن من النقيع قال وحمى النقيع على عشرين فرسخا من المدينة ، ومساحته ميل في بريد وفيه شجر ويستحم حتى يغيب فيه الراكب قال واختلف الرواة في ضبطه فمنهم من قيده بالنون منهم النسفي وأبو ذر والقابسي ، قال وكذلك قيدناه في مسلم عن الصدفي وغيره ، وكذلك لابن ماهان ، وكذلك ذكره الهروي والخطابي .

قال الخطابي : وقد صحفه بعض أصحاب الحديث بالباء ، قال وإنما الذي بالباء فهو مدفن أهل المدينة ، ووقع في كتاب الأصيلي بالفاء مع النون وهو تصحيف ، وإنما هو بالنون والقاف . وقال البكري أبو عبيد هو بالباء مثل بقيع الغرقد مدفن أهل المدينة المنورة ، وهو البقيع الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ، وهو الذي يضاف إليه في الحديث غرس البقيع . وفي نهاية ابن الأثير : وفيه أن عمر حمى غرس النقيع وهو موضع حماه لنعم الفيء أو خيل المجاهدين فلا يرعاه غيرها ، وهو موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع .

وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم { أوك سقاك واذكر اسم الله ، وخمر إناءك واذكر اسم الله ، ولو أن تعرض عليه [ ص: 435 ] عودا } وفي لفظ لهما { وخمروا الطعام والشراب } قال همام وأحسبه قال ولو بعود . قال في الآداب : ظاهره التخيير . ويتوجه أن ذلك عند عدم ما يخمر به لرواية مسلم : { فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا } .

وفي رواية في الصحيحين : { ولو أن تعرض عليه شيئا } . وفي رواية فيهما بزيادة : { فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا } وفي رواية عند الطبراني { فإن الشيطان لا يفتح بابا مجافا ، ولا يكشف غطاء ، ولا يحل وكاء } وحكمة وضع العود إما ليعتاد تخميره ولا ينساه ، وإما لرد دبيب أو بمروره يعني الدبيب على العود .

التالي السابق


الخدمات العلمية