غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ويحسن خفض الصوت من عاطس وأن يغطي وجها لاستتار من الردي

( ويحسن ) يعني يسن ويندب ( خفض ) - ضد الرفع - الصوت الخارج ( من عاطس ) في حالة عطاسه إلا بقدر ما يسمع جليسه ، وهذا معنى كلام الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية أبي طالب وأحمد بن أصرم ( و ) يحسن بمعنى يسن من العاطس ( أن يغطي ) أي يخمر ( وجها ) منه ( ل ) أجل ( استتار ) هـ ( من ) إيصال ( الردي ) يعني الأذى الذي يخرج منه بسبب العطاس إلى غيره فيؤذيه .

قال ابن عقيل : ويبعد من الناس . واستغرب ذلك شيخ الإسلام . وقال الشيخ عبد القادر قدس الله سره : ولا يلتفت يمينا ولا شمالا . انتهى .

وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بثوبه ويده ثم غض لها صوته } . قال الحجاوي في تغطية وجه العاطس لئلا يخرج من فمه شيء يؤذي جلساءه من بصاق وغيره أو يخرج شيء يفحش منظره . انتهى .

قال ابن هبيرة رحمه الله ورضي عنه : قال بعض الأطباء : العطاس لا يكون أول مرض أبدا إلا أن يكون زكمة . قال ابن هبيرة : فإذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته .

( و ) حينئذ ينبغي له أن ( يحمد ) الله سبحانه وتعالى على صحته واستقامة قوته ( جهرا ) ليسمع تحميده من عنده ( وليشمته ) أي العاطس ( سامع لتحميده ) الصادر منه وجوبا ، فاللام للأمر ويشمت مجزوم بها ، وهو قوله الحمد لله ومعنى شمته بالمعجمة والمهملة دعا له بقوله يرحمك الله أو يرحمكم الله .

قال في القاموس والتسميت بالمهملة ذكر الله تعالى على الشيء والدعاء للعاطس ولزوم السمت وقال والتشميت بالمعجمة التسميت والجمع والتحنين . انتهى .

قال في الآداب التشميت بالمعجمة هي الفصحى ومعناها أبعدك الله عن الشماتة . قال ابن الأنباري : كل داع بخير فهو مشمت . قال في النهاية هما الدعاء بالخير والبركة ، والمعجمة أعلاهما والشوامت قوائم الدابة .

[ ص: 442 ] وقاله في القاموس . يقال لا ترك الله لها شامتة أي قائمة . انتهى . وبهما جاء الحديث .

قال في مفتاح دار السعادة : التسميت بالمهملة تفعيل من السمت الذي يراد به حسن الهيئة والوقاية ، فيقال لفلان سمت حسن ، فمعنى سمت العاطس وقرته وأكرمته وتأدبت معه بإذن الله ورسوله في الدعاء له . وقيل سمته دعا له أن يعيده الله إلى سمته قبل العطاس من السكون والوقار وطمأنينة الأعضاء فإن في العطاس من انزعاج الأعضاء واضطرابها ما يخرج العاطس عن سمته ، فإذا قال له السامع يرحمك الله فقد دعا له أن يعيده الله إلى سمته وهيئته .

وأما التشميت بالمعجمة فقال ابن السكيت وجمع : أنه بمعنى التسميت وأنهما لغتان . ذكره في كتاب القلب والإبدال ولم يذكر أيهما الأصل ولا أيهما البدل وقال أبو علي الفارسي : المهملة الأصل في الكلمة ، وعكس تلميذه ابن جني ; لأن الشوامت التي هي القوائم هي التي تحمل الفرس ونحوه وبها عصمته وهي قوامه ، فكأنه إذا دعا له فقد نهضه وثبت أمره وأحكم دعائمه وأنشد النابغة :

    طوع الشوامت من خوف ومن صرد

وقالت طائفة منهم ابن الأعرابي : هو من قولهم أشمت الإبل إذا حنت وسمنت . وقالت فرقة أخرى : معنى شمت العاطس أزلت عنه الشماتة . انتهى ملخصا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية