غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
قال في الإقناع والمنتهى وغيرهما : وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفاية كرد السلام إن كانوا جماعة وإلا ففرض عين . وفي صحيح البخاري { إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب } وذلك لأن العطاس يدل على خفة بدن ونشاط ، والتثاؤب غالبا لثقل البدن وامتلائه واسترخائه فيميل إلى الكسل ، فأضافه إلى الشيطان ; لأنه يرضيه ، ومن تسببه لدعائه إلى الشهوات ، يعني يشير إلى ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم [ ص: 443 ] فليرده ما استطاع ولا يقل : هاه هاه فإن ذلك من الشيطان يضحك منه } ورواه البخاري بلفظ { إذا تثاءب أحدكم في الصلاة } .

وروى النسائي وهو حسن كما في الآداب لابن مفلح { العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان فإن لم يحمد الله لم يشمته } وهذا مفهوم من قول الناظم لتحميده فإنه جعل علة التشميت الحمد فإذا لم يحمد لم يشمت .

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال { عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ، فقال له الرجل : يا رسول الله شمت فلانا ولم تشمتني ، فقال : إن هذا حمد الله تبارك وتعالى وإنك لم تحمد } . وقال عليه الصلاة والسلام { إذا عطس أحدكم فحمد الله تعالى فشمتوه ، فإن لم يحمد الله تعالى فلا تشمتوه } رواه مسلم .

وقال يحيى بن أبي كثير عن بعضهم حق على الرجل إذا عطس أن يحمد الله تعالى وأن يرفع صوته وأن يسمع من عنده ، وحق عليهم أن يشمتوه . انتهى .

فإن شمت من لم يحمد كره . فإن عطس وهو بعيد عنه فسمع العطاس ولم يسمع قوله الحمد لله ولم يعلم أحمد الله أم لا قال يرحمك الله إن كنت حمدت الله .

قال مكحول : كنت إلى جنب ابن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال يرحمك الله إن كنت حمدت الله . فإن عطس فحمد ولم يشمته أحد فسمعه من بعد عنه شرع له أن يشمته حتى يسمعه .

وقد أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد ، فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع ، فسئل عن ذلك فقال : لعله يكون مجاب الدعوة . فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول : يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم . ذكر ذلك ابن حجر في شرح البخاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية