غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الرابعة ) ذكر سيدنا الشيخ عبد القادر في الغنية روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن العبد إذا قال الحمد لله قال الملك : رب العالمين ، فإذا قال العبد : رب العالمين بعد الحمد قال الملك : يرحمك ربك } ، فيتوجه على هذا أن يرد عليه ، ذكره في الآداب . والخبر الذي أشار إليه الشيخ عبد القادر قدس الله سره رواه الطبراني والحافظ الضياء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وقل للفتى عوفيت بعد ثلاثة وللطفل بورك فيك وأمره يحمد ( وقل ) أيها المسلم المتشرع الذي لنيل الفضائل متشوق ومتطلع ( للفتى ) المسلم وأصله لغة الشاب والمراد به كل مسلم لا يجب هجره ولا يسن ، وليس بأجنبية على ما تقدم في السلام وتشمت المرأة المرأة والرجل الرجل والمرأة العجوز البرزة لأمن الفتنة ، وأما الشابة فلا يشمتها ولا تشمته كما في الإقناع وغيره ( عوفيت ) دعاء له بالعافية ، وهي كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة .

وفي المسند من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعا { وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت رجل بعد اليقين خيرا من المعافاة } .

وفي صحيح الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا { ما سئل الله عز وجل شيئا أحب له من أن يسأل العافية } وفي العافية عدة أخبار مأثورة عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم .

( بعد ثلاثة ) أي بعد تشميتك له ثلاث مرات بقولك له يرحمك الله أو يرحمكم الله ، فإذا عطس رابعة لا يشمت بل يقال له عوفيت ، وهذا الذي ذكره السامري وسيدنا الشيخ عبد القادر . وقال شيخ الإسلام : وهو [ ص: 449 ] منصوص الإمام أحمد ، وقيل أو ثالثة ، وهو الذي ذكره ابن تميم .

وقال شيخ الإسلام : هو الذي اتفق عليه كلام القاضي وابن عقيل ، وقيل أو مرتين ، والمذهب المعتمد الأول . قال في الإقناع وشرحه كغيره : فإن عطس ثانيا وحمد شمته ، وثالثا شمته ، ورابعا دعا له بالعافية ، ولا يشمت للرابعة إلا إذا لم يكن شمته قبلها ثلاثا . فالاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات ، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت .

قال صاحب المنتهى في شرحه والحجاوي في شرح المنظومة قولا واحدا . وقاله الإمام ابن مفلح في الآداب الكبرى ، ولفظ الآداب : ويقال له عافاك الله ; لأنه ريح . قال صالح لأبيه : يشمت العاطس في مجلسه ثلاثا . قال أكثر ما قيل فيه ثلاث . قال وهذا مع كلام الأصحاب يدل على أن الاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات ، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت قولا واحدا .

قال : والأدلة توافق هذا وهو واضح .

قال مهنا للإمام أحمد : أي شيء مذهبك في العاطس يشمت إلى ثلاث مرار ؟ فقال إلى قول عمرو بن العاص قال العاطس بمنزلة الخاطب يشمت إلى ثلاث فما زاد فهو داء في الرأس . وقال أبو الحارث عنه : يشمت إلى .

وروى ابن ماجه وإسناده جيد ثقات عن سلمة بن الأكوع مرفوعا { يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم } . ولأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا مثله .

ولمسلم وأبي داود عن سلمة رضي الله عنه { سمع رسول صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له يرحمك الله ، ثم عطس أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل مزكوم } . وعند الترمذي قال له في الثالثة { أنت مزكوم } قال وهو أصح من الأول . وقد علمت أن المذهب المعتمد أن يشمت إلى ثلاث ويدعى له في الرابعة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية