غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ومما ورد في الرجاء ما رواه الترمذي وقال حسن عن أنس رضي الله عنه قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك } .

وأخرج الترمذي أيضا وابن ماجه وابن أبي الدنيا عن أنس أيضا رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك ؟ قال أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا [ ص: 466 ] أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف } . قلت : الحديث حسنه الحافظ المنذري والله أعلم .

وأخرج الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون له ، قلنا نعم يا رسول الله ، قال : إن الله عز وجل يقول للمؤمنين : هل أحببتم لقائي ؟ فيقولون نعم يا ربنا . فيقول لم ؟ فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك . فيقول قد وجبت لكم مغفرتي } .

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته : أسباب الرجاء قوية ، فمن خفنا عليه من غلبة الخوف قلنا له عدل ما عندك بالرجاء ، إلا أنه ينبغي أن يتوب ويرجو القبول ، ويبذر ويرجو الحصاد . فأما الرجا مع العصيان فحماقة والله أعلم .

ولما حضرت الإمام أحمد رضي الله عنه الوفاة قال لولده عبد الله اذكر لي أحاديث الرجاء . ولما احتضر الإمام الشافعي رضي الله عنه دخل عليه المزني فقال له كيف أصبحت ؟ فقال أصبحت من الدنيا راحلا ، وللإخوان مفارقا ، ولعملي ملاقيا ، وبكأس المنية شاربا ، وعلى الله واردا ، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها ، أم إلى النار فأعزيها . ثم أنشأ يقول :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما     تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما     وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منة وتكرما



التالي السابق


الخدمات العلمية