غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة الكي إلا لحاجة :

وقبل الأذى لا بعده الكي فاكرهن وعنه على الإطلاق غير مقيد ( وقبل ) حصول ( الأذى ) المحوج إلى الكي بالنار ، وكذا قبل حصول الداء الموجب لقطع بعض العروق مكروه الكي وقطع العروق ، ( لا ) يكره ذلك ( بعده ) أي بعد وجود الداء الموجب ( للكي ) ونحوه ضرورة ، وأما قبل حصول الداء الكي ( فاكرهن ) أي فاكرهن الكي بالنار لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في عدة أخبار ، وقال { : ما أحب أن أكتوي } كما في صحيح البخاري وغيره .

وقوله ( فاكرهن ) فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة ، والكي مفعول مقدم ، ( وعنه ) أي عن الإمام أحمد رضي الله عنه كراهة الكي ( على ) سبيل ( الإطلاق غير مقيد ) بحصول الأذى ، فعلى هذه الرواية يكره الكي مطلقا قبل حصول الأذى وبعده لما في الحديث عن النبي : صلى الله عليه وسلم { من اكتوى أو استرقى فقد بريء من التوكل } رواه الإمام أحمد وغيره .

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه عن عمران رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا } .

قال في الآداب الكبرى قال في المستوعب في موضع يكره الكي وقطع العروق على وجه التداوي في إحدى الروايتين ، والأخرى لا يكره ، وفي الفروع وفي كراهة موت الفجأة روايتان ، والأخبار مختلفة ، وكذا الروايتان في حقنة لحاجة وقطع العروق وفصدها .

وكذا الخلاف [ ص: 26 ] في كي ورقية وتعويذة وتميمة ، وعنه يكره قبل الألم فقط ، والحاصل : أن في المذهب في المسألة أقوالا . ثالثها : انتفاء الكراهة بعد حصول الداء ، وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ، أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي } .

وروى ابن ماجه والترمذي وصححه عن خباب رضي الله عنه أنه قال : وقد اكتوى في بطنه سبع كيات : ما أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت ، وكأنه قاله رضي الله عنه تسلية للمؤمن المصاب لا على وجه الشكاية .

قلت : وإذا علمت ثبوت النهي عن الكي وتحققت أنه نهي كراهة لظاهر الأخبار ، وفعل الصحابة الأخيار ، ظهر لك أن الكراهة تزول بنزول الضرر إذ القاعدة : زوالها بأدنى حاجة . فظهر أن المذهب عدم كراهة الكي للحاجة .

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال { : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ، ثم كواه } . وعن جابر أيضا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين } رواه ابن ماجه .

ولمسلم { رمي سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ، ثم ورمت فحسمه الثانية } . قوله فحسمه أي كواه { وكوى صلى الله عليه وسلم سعد بن زرارة من الشوكة } رواه الترمذي فهذا يدل على الإباحة من فعله صلى الله عليه وسلم ويكره بلا حاجة للنهي والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية