غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في جواز الوسم بغير الوجه : وحل بغير الوجه وسم بهائم وفي الأشهر اكره جز ذيل ممدد ( وحل ) أي أبيح ( ب ) أي موضع من الحيوان ( غير الوجه وسم ) بالسين المهملة ، والمراد به الكي قال عياض : وبعضهم يقول : بمهملة وبمعجمة ، وبعضهم قال : بمهملة في الوجه وبمعجمة في بقية سائر الجسد ( بهائم ) جمع بهيمة سميت بذلك ; لأنها لا تتكلم ، وقد علمت من كلام الناظم حل الوسم في غير الوجه ، ومفهوم نظامه عدم الحل في الوجه ، وهو ظاهر الرعاية .

وفي الآداب الكبرى : لا يسم في الوجه ولا بأس به في غيره قال جابر { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه } . وفي لفظ { مر عليه بحمار قد وسم في وجهه ، فقال : لعن الله من وسمه } . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال { : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه فأنكر ذلك فقال : والله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه وأمر بحماره [ ص: 33 ] فكوى على جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين } رواه مسلم .

قال الجوهري : الجاعرتان موضع الرقمتين من است الحمار ، وهو مضرب الفرس بذنبه على فخذيه . قال الأصمعي : هما حرفا الوركين المشرفان على الفخذين ، وقال في القاموس : الجاعرتان موضع الرقمتين من است الحمار ومضرب الفرس بذنبه على فخذيه أو حرفا الوركين المشرفين على الفخذين ، وقال في مطالع الأنوار : قوله فكان يسم في الجاعرتين رقمتين يكتنفان ذنب الحمار انتهى .

قال في الآداب الكبرى صرح في المستوعب في موضع : أن السمة في الوجه مكروهة ، وظاهر كلامه في الرعاية أن السمة في الوجه لا تجوز قال : وهو أولى انتهى . قال في الآداب وغيره سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الغنم توسم قال : توسم ولا تعمل في اللحم يعني يجز الصوف ، نقله ابن هانئ قال ابن مفلح ، وظاهره التحريم .

وقال النووي من الشافعية : الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان لكنه في الآدمي أشد قال : والوسم في الوجه منهي عنه إجماعا ، فأما الآدمي فوسمه حرام ، وأما غير الآدمي فكرهه جماعة من أصحابنا قال البغوي : لا يجوز ، وهو الأظهر ، وقال النووي أيضا في موضع آخر : وغير الآدمي فوسمه في وجهه منهي عنه .

وأما غير الوجه فيستحب في نعم الزكاة ، والجزية { ; لأنه عليه الصلاة والسلام وسمها في آذانها } ، وهو يدل على أن الأذن ليست من الوجه لنهيه عن وسم الوجه قال الخطابي : ويجوز في غيرهما يعني غير نعم الزكاة ، والجزية ، وعند أبي حنيفة لا يستحب الوسم ، بل يكره .

والحاصل أن الوسم إما أن يكون في آدمي ، أو لا الأول حرام ، والثاني إما أن يكون في الوجه ، أو لا ، الأول حرام أيضا ، وعلى الثاني : إما أن يكون الموسوم من نعم الصدقة أو الجزية ، ومثلها فرس حبيس ، ونحوها فيستحب فيها ويجوز فيما عداها .

هذا مفهوم كلام جماعة منهم صاحب الآداب ، والمذهب المعتمد : تحريم الوسم في الوجه ، وهو في الآدمي أشد حرمة قال ابن عقيل : لا يجوز الوسم إلا لمداواة ، وقال : يحرم لقصد المثلة ويجوز لغرض صحيح ، فظهر أنه لا يكون الوسم مستحبا ، وإنما غايته الجواز وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لا الاستحباب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية