غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في النهي عن سب البرغوث .

وقد { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب البرغوث } روى الإمام أحمد ، والبخاري في الأدب المفرد ، والبزار والطبراني في الدعاء ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يسب برغوثا فقال : لا تسبه ، فإنه أيقظ نبيا من الأنبياء لصلاة الفجر } .

وروى الطبراني في معجمه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال { : ذكرت البراغيث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنها لتوقظ للصلاة } . وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه قال { : نزلنا منزلا فآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوها فنعمت الدابة ، فإنها أيقظتكم لذكر الله } .

وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال { : لعن رجل برغوثا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تلعنه ، فإنه أيقظ نبيا من الأنبياء للصلاة } وأنشد بعضهم :

لا تسب البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري     فبره مص دم فاسد
وغوثه الإيقاظ في الفجر

( وقال بعضهم يتألم من البراغيث ، والبعوض ، والبق وأحسن )

بعوض وبرغوث وبق لزمنني     حسبن دمي خمرا فلذ لها الخمر
فيرقص برغوث لزمر بعوضة     وبقهم سكت ليستمع الزمر

( وقال آخر )

رقصت براغيث الشتا فأجابها     الناموس منه بالغناء المعلم
وتواجد البق الكثيف لطبعه     طربا على شرب المدامة من دمي

[ ص: 49 ] وقال بعضهم )

وليل بته رهن اكتئاب     أقاسي فيه أنواع العذاب
إذا شرب البعوض دمي وغنى     فللبرغوث رقص في ثيابي

( وقال بعض الأعراب ، وقد سكن مصرا يصف براغيثها )

تطاول بالفسطاط ليلي ولم أكد     بأرض الغضى ليلي علي يطول
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة     وليس لبرغوث علي سبيل

والبراغيث عندنا كالقمل ودمهما وجلدهما وكل ما لا نفس له سائلة من بق وبعوض وعقرب ونحوها طاهر في الحياة وبعد الموت .

نعم يحرم أكل شيء منها لاستقذارها . ويستحب قتلها للحلال ، والمحرم إلا القمل ، فإنه يحرم على المحرم قتله ، وكذا صئبانه من رأسه وبدنه ، ولو بنحو زئبق ، وكذا رميه ; لأنه ترفه .

والفرق بينه وبين البراغيث أنه يتولد من البدن بخلاف البراغيث ، فإنها تتولد من التراب كما مر ولا شيء في قتل القمل وصئبانه ورميهما .

قال في حياة الحيوان : والقمل يتولد من العرق ، والوسخ . قال الجاحظ : وربما كان الإنسان قمل الطباع ، وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما حين { استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير فأذن لهما فيه } ، ولولا الضرورة لما أذن لهما في ذلك لما جاء في لبس ذلك من التشديد .

التالي السابق


الخدمات العلمية