غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
، والعربد حية عظيمة تأكل الحيات وروى الحاكم وصححه عن أبي [ ص: 56 ] اليسر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو : اللهم إني أعوذ بك من الهدم والتردي وأعوذ بك من الهرم ، والغرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك من أن أموت لديغا } . قال الجاحظ : وتأويل هذا عند العلماء أنه لا يتفق للإنسان أن يكون موته بأكل هذا العدو إلا وهو من أعداء الله ، بل من أشدهم عداوة ، فكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه لذلك ، وهذا ليس على إطلاقه كما لا يخفى .

وقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتل الحية في عدة أخبار ، وأمره في ذلك للندب روى البخاري ومسلم والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال { : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى ، وقد نزلت عليه { ، والمرسلات عرفا } فنحن نأخذها من فيه رطبة إذ خرجت علينا حية فقال : اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقاها الله شركم كما وقاكم شرها } .

وعداوة الحية للإنسان معلومة ومعروفة . وفي التنزيل { اهبطوا بعضكم لبعض عدو } قال الجمهور : الخطاب لآدم وحواء وإبليس ، والحية .

وروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قال : ما سالمناهن منذ عاديناهن } .

وقصة ابن حمير مشهورة ، وقال ابن عمر : من تركهن فليس منا ، وقالت عائشة رضي الله عنها : من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين . وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا ، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا } ( و ) يحسن قتل ( شبه ) أي مثل ( المعدد ) من أنواع الحشرات فكل ما شابه ذلك يقتل في الحل ، والحرم من الحلال ، والمحرم كالوزغة بالتحريك ، وهي سام أبرص . قال في حياة الحيوان : اتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات ، وجمع الوزغة وزغ وأوزاغ ووزغات . روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أم شريك رضي الله عنها { أنها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغات فأمرها بذلك } [ ص: 57 ]

مطلب : في قوله صلى الله عليه وسلم من قتل وزغة من ضربة فله كذا ، وكذا حسنة .

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم { أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا ، وقال كان ينفخ النار على إبراهيم } ، وكذلك رواه الإمام أحمد في المسند وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل وزغة من أول ضربة فله كذا ، وكذا حسنة ، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى } . وفيه أيضا { من قتلها في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في الضربة الثانية فله دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك } .

وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا { اقتلوا الوزغ ، ولو في جوف الكعبة } لكن في إسناده عمر بن قيس المكي ضعيف

. وفي سنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها { أنه كان في بيتها رمح موضوع فقيل لها : ما تصنعين بهذا فقالت : نقتل به الوزغ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار غير الوزغ ، فإنها كانت تنفخ عليه فأمر صلى الله عليه وسلم بقتلها } ، وكذلك رواه الإمام أحمد في المسند .

وفي تاريخ ابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من قتل وزغة محا الله عنه سبع خطيئات } . وفي الكامل عن ابن عباس مرفوعا { من قتل وزغة فكأنما قتل شيطانا } . وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوزغ فويسقا كالفواسق الخمس ، وتقدم أن أصل الفسق الخروج عن حيز الاعتدال ، وهذه المذكورات خرجت عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر ، والأذى وتقييد الحسنات بأن في الضربة الأولى مائة حسنة وفي الثانية سبعين مخرج على حد قوله صلى الله عليه وسلم { سبع وعشرون وخمس وعشرون } من أن مفهوم العدد لا يعمل به ، فذكر السبعين لا يمنع المائة أو لعله أخبر بالسبعين ، ثم تصدق الله بالزيادة فأخبر بها ، أو يختلف باختلاف القاتل من حيث إخلاص النية وكثرة الحسنات في المبادرة أن تكون الضربات في القتل تدل على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع ، إذ لو قوي عزمه واشتدت حميته لقتلها في المرة الأولى ، فعدم قتلها في المرة الأولى دل على ضعف عزمه فلذلك [ ص: 58 ] نقص أجره عن المائة إلى السبعين .

وعلل ابن عبد السلام كثرة الحسنات في الأولى بأنه إحسان في القتل فدخل في قوله : عليه الصلاة والسلام { إذا قتلتم فأحسنوا القتلة } ، أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل تحت قوله تعالى { فاستبقوا الخيرات } قال : وعلى كلا المعنيين فالحية ، والعقرب أولى بذلك لعظم مفسدتهما .

وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من قتل حية فله سبع حسنات ، ومن قتل وزغا فله حسنة ، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا } .

( فائدة ) : ذكر أصحاب الآثار أن الوزغ أصم . قالوا والسبب في صممه ما تقدم من نفخه النار فصم بذلك وبرص ، ومن طبعه أنه لا يدخل بيتا فيه رائحة الزعفران ويألف الحيات كما تألف العقارب الخنافس .

التالي السابق


الخدمات العلمية