غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في جواز التدخين للزنبور وفيه حكايتان لطيفتان .

( و ) قد جوز الأصحاب رضي الله عنهم ( تدخين زنبور ) ، وهو الدبر ويؤنث وربما سميت النحلة زنبورا ، والجمع الزنابير ، وهو مقسوم من وسطه ولذلك لا يتنفس من جوفه ألبتة .

قال الزمخشري في تفسير سورة الأعراف : قد يجعل المتوقع الذي لا بد منه بمنزلة الواقع ، ومنه ما روي أن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه ، وهو طفل يبكي فقال : له ما أبكاك فقال : لسعني طائر كأنه ملتف في بردى حبرة فقال حسان : يا بني قلت الشعر ورب الكعبة يعني ستقوله جعل المتوقع كالواقع .

وما أحسن ما قيل في الزنبور :

وللزنبور والبازي جميعا قوى الطيران أجنحة وخفق     ولكن بين ما يصطاد باز
وما يصطاده الزنبور فرق

وروى ابن أبي الدنيا عن أبي المختار التيمي قال : حدثني رجل قال : خرجنا في سفر ومعنا رجل يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فنهيناه فلم ينته فخرج لبعض حاجاته فاجتمع عليه الزنابير فاستغاث فأغثناه فحملت علينا فتركناه ، فما أقلعت عنه حتى قطعته قطعا ، وكذلك رواه ابن سبع في شفاء الصدور وزاد عليه فحفرنا له قبرا فصلبت الأرض فلم نقدر على حفرها فألقيناه على وجه الأرض وجعلنا عليه من ورق الشجر ، والحجارة وجلس [ ص: 64 ] واحد من أصحابنا يبول فوقع على ذكره زنبور من تلك الزنابير فلم يضره بشيء فعلمنا أن تلك كانت مأمورة ، وقد سئل سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه فيما نقله المروذي يدخن للزنابير ؟ قال إذا خشي أذاهم فلا بأس هو أحب إلي من تحريقه ; لأن في التدخين لها دفعا للضرر الحاصل منها والضرورات تبيح المحظورات .

ويستحب قتلها لما روى ابن عدي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل زنبورا اكتسب ثلاث حسنات } قال الخطابي : لكن يكره إحراق بيوتها بالنار ، فإن كانت بيوت الزنابير في نحو حائط لا يمكن هدمه أو يمكن لكنه يحصل به ضرر جاز حرقها ، وهو المراد بقول الناظم رحمه الله ( و ) جوز الأصحاب أيضا ( شيا ) هو من قولك شويت اللحم شيا قال في القاموس : شوى اللحم شيا فانشوى وأشوى ، وهو الشواء بالكسر والضم ( بموقد ) بفتح الميم وكسر القاف موضع الوقود ، والمراد إباحة وقود النار على الزنابير ، وظاهر إطلاق نظامه ، ولو بلا حاجة وقيده الحجاوي بالضرورة ولعل مراده بالضرورة الحاجة إذ حرق الزنبور مكروه ، والكراهة تزول بأدنى حاجة كما هو قاعدة المذهب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية