غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
حكم اقتناء الكلاب

قال في الآداب الكبرى : يجوز اقتناء كلب كبير لصيد يعيش به ، أو لحفظ ماشية يروح معها إلى المرعى ويتبعها ، أو لحفظ زرع ولا يجوز اتخاذه لغير ذلك . وقيل يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت ، وهو قول بعض الشافعية . وفي الرعاية قيل وبستان ، فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد احتمل الجواز ، والمنع ، وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلبا ليحفظ به حرثا أو ماشية إن حصلت ، أو يصيد به إن احتاج .

ويجوز تربية الجرو الصغير لأجل الثلاثة في أقوى الوجهين ، والثاني لا يجوز ، وفي الرعاية لا يكره على الأصح اقتناء جرو صغير حيث يقتنى الكبير وأما اقتناء الكلاب لغير ما ذكرنا فلا يجوز لما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال { : من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية ، أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط } . وفي رواية قيراطان وكلاهما في الصحيح

. ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما [ ص: 75 ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : من اقتنى كلبا إلا كلب صيد ، أو ماشية ، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان } وفي رواية للبخاري من عمله وحمل ذلك على نوع من الكلاب بعضها أشد أذى من بعض ، أو لمعنى فيها ، أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فتكون القيراطان في المدائن ونحوها ، والقيراط في البوادي أو يكون في زمنين فذكر القيراط أولا ، ثم زاد في التغليظ فذكر القيراطين ، والمراد بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله .

واختلف في نسبة هذا القيراط لماذا يكون ؟ فقيل : لما مضى من عمله ، وقيل من مستقبله ، وقيل : قيراط من عمل الليل وقيراط من عمل النهار وقيل : قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل ، وقد ذكرنا الكلام على هذا في رسالة حررنا فيها الكلام على أن من صلى على ميت فله بالصلاة عليه قيراط وله بتمام دفنه قيراطان ، وأن المراد نسبة ذلك لما يحصل لأهل المصيبة من أجر المصيبة ولواحقها على أكمل حال من غير أن ينقص من أجر مصيبتهم شيء ، وأنهم لو لم يصبروا ، بل جزعوا وتسخطوا حتى حصل عليهم من ذلك وزر يكون لهذا المصلي ، والمتبع الجنازة قيراط ، أو قيراطان من أجر تلك المصيبة ولواحقها أن لو وجد على أتم حال .

وأما في مقتني الكلب الذي اعتمدناه فيها تبعا للإمام ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد ، والإمام ابن عقيل في فنونه وابن قندس في حواشي الفروع أن القيراط ، أو القيراطين بالنسبة إلى عمله ذلك اليوم فكأنه حصل من العمل الصالح ، والكلم الطيب دينارا فباقتنائه هذا الكلب ينقص من ذلك الدينار قيراطان على أتم وجوه العمل ، أو بالنسبة إلى عمل نفسه ويكون عظم القيراط ونقصه مختلفا باختلاف الأشخاص والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية