غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة جولان الأيدي في الطعام إذا كان نوعا واحدا وعدمها إذا تعدد .

( و ) يكره ( جولان ) مصدر من جال في الحرب جولة ، وفي الطواف جولا ويضم وجولا وجولانا محركة وجيلانا بالكسر واجتال طاف ، والمراد هنا إذا طاشت يده في الصحفة ، وأما الجولان بالسكون فجبل بالشام ، وإنما نسكن الواو في كلام الناظم للوزن ( أيد في طعام موحد ) النوع .

قال في الآداب الكبرى ويكره أكله مما يلي غيره والطعام نوع واحد . ذكر هذا [ ص: 90 ] القيد القاضي وابن عقيل وغيرهما ، وإطلاق الناظم يشمل ما إذا كان الآكل وحده ، وعبارة الآداب الكبرى تأباه .

وقال ابن أبي موسى من أئمة المذهب رضي الله عنه : وإذا أكلت مع غيرك فكل مما يليك . وفي الفروع : ويأكل بثلاثة أصابع مما يليه . قال جماعة : والطعام نوع واحد . قال الآمدي : لا بأس أي أن يأكل من غير ما يليه ، وهو وحده انتهى . ودليل كراهة جولان اليد في الطعام { قول النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن أبي سلمة كل مما يليك } أخرجاه .

فإن كان أنواعا فلا بأس فالذي نهى في اتحاد قد عفا في التعدد ( فإن كان ) الآكل وحده ، أو كان مع جماعة وكان الطعام ( أنواعا فلا بأس ) أي لا حرج ولا كراهة في جولان اليد حينئذ ( فالذي نهى ) النبي صلى الله عليه وسلم عن جولان اليد فيه إنما هو ( في اتحاد ) أي نهيه عليه الصلاة والسلام إنما هو مع اتحاد النوع و ( قد عفا ) عن جولان اليد ( في ) أي مع ( التعدد ) في أنواع الطعام فله أن يأكل من حيث شاء ; لما روي عن عكراش بن ذؤيب التميمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه أخذ بيده فانطلق به إلى منزل أم سلمة فقال : هل من طعام ؟ فأتينا بجفنة كثيرة الطعام ، والودك فأقبلنا نأكل منها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين يديه وجعلت أخبط في نواحيها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى ، ثم قال : يا عكراش كل من موضع واحد ، فإنه طعام واحد ، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب ، أو تمر شك عبيد الله بن عكراش قال عكراش : فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق ، ثم قال : يا عكراش كل من حيث شئت ، فإنه من غير لون واحد ، ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم مسح ببل كفيه وجهه وذراعيه ، ثم قال : يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار } . رواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات ورواه ابن ماجه والترمذي ، وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء ، وعبيد الله بن عكراش مجهول ، وقال فيه ابن حبان منكر الحديث ، وقال البخاري عن هذا الحديث لا يثبت ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية