غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في بيان كيفية الجلوس للطعام :

وكل جالسا فوق اليسار وناصب اليمين وبسمل ثم في الانتها أحمد ( وكل ) فعل أمر من أكل ، وهو للندب فيسن أكلك حال كونك ( جالسا فوق ) رجلك ( اليسار وناصب ) الرجل ( اليمين ) منك ومسندا بطنك إلى فخذك اليمين .

[ ص: 100 ] قال الإمام ابن القيم في حكمة ذلك : لئلا يحصل الامتلاء المنهي عنه ، فإن الإنسان بإسناد فخذه لبطنه لا يحصل تمام امتلاء لعدم افتراش البطن ، وفي الرعاية ، أو يتربع وذكر ابن البنا عن بعض الأصحاب أن من آداب الأكل أن يجلس مفترشا ، وإن تربع فلا بأس ، وقال الحافظ ابن حجر : المستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه ، أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى .

وقال الإمام ابن القيم في الهدي : ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم { أنه كان يجلس متوركا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعا لله وأدبا بين يديه } قال : وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها ; لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه انتهى ( وبسمل ) أمر من بسمل يبسمل أي قل في ابتداء أكلك وشربك بسم الله ، وفي نسخة وسم .

قال في القاموس بسمل قال بسم الله ، وقال في المطالع : قال أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي في كتابه فقه اللغة : البسملة حكاية قول بسم الله والسبحلة حكاية قول سبحان الله ، والهيللة حكاية قول : لا إله إلا الله ، والحوقلة ، والحولقة حكاية قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، والحمدلة حكاية قول : الحمد لله ، والحيعلة حكاية قول : حي على الصلاة حي على الفلاح ، والطبلقة : أطال الله بقاك ، والدمعزة : أدام الله عزك ، والجعلفة : جعلني الله فداك انتهى .

فمن آداب الأكل والشرب أن يقول الإنسان عند إرادته قبل أن يضع يده في الطعام وقبل أن يضع الإناء على فيه : بسم الله وهي بركة الطعام فيكفي القليل بها وبدونها لا يكفي كما دل عليه حديث أبي أيوب قال { : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب طعاما فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا ولا أقل بركة في أخره فقلنا : كيف هذا يا رسول الله ؟ قال : لأنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا ، ثم قعد بعدنا من أكل ولم يسم فأكل معه الشيطان } رواه الإمام أحمد .

قال شيخ الإسلام : لو زاد الرحمن الرحيم عند الأكل - يعني والشرب - كان حسنا ، فإنه أكمل بخلاف الذبح ، فإنه قد قيل [ ص: 101 ] لا يناسب ذلك . ونقل ابن هانئ أنه يعني الإمام أحمد رضي الله عنه جعل عند كل لقمة يسمي ويحمد ، وقال أكل وحمد خير من أكل وصمت . ودليل سنية الإتيان بالبسملة في ابتداء الطعام ما روى أبو داود والترمذي ، وقال حسن صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل طعامه في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنه لو سمى كفاكم } .

ورواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وزاد { ، فإذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله عليه ، فإن نسي في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره } وهذه الزيادة عند أبي داود وابن ماجه مفردة .

وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال : الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله : قال الشيطان أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان : أدركتم المبيت ، والعشاء } .

التالي السابق


الخدمات العلمية