غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يحرم المبالغة في تقليل الطعام .

الحالة الرابعة في المبالغة من التقليل في الطعام .

اعلم أنه من بالغ في تقليل الغذاء فأضر ببدنه أو قصر عن فعل واجب لحق الله أو لحق آدمي كالتكسب لمن تلزمه مؤنته حرم عليه ذلك ، وإلا يضر ببدنه ولا بشيء منه ولا قصر عن فعل واجب كره له إن خرج من الأمر الشرعي .

وروى الخلال في جامعه عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قيل له هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من طعامهم قال : ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي [ ص: 113 ] يقول : فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض انتهى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم { : كلوا واشربوا وتصدقوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة } . رواه النسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وفي الحديث { هلك المتنطعون } وهم المبالغون في الأمور

. ومن التنطع الامتناع من المباحات كالذي يمتنع من أكل اللحم ، والخبز ، أو لبس الكتان ، أو شرب الماء ويمتنع من نكاح النساء وما شاكل ذلك ويزعم أن ذلك من الزهد المستحب وذلك جهل منه كما قاله شيخ الإسلام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { : لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني } .

ففي الصحيحين { أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهم : أما أنا فأصوم لا أفطر ، وقال الآخر : أما أنا فأقوم لا أنام ، وقال الآخر : أما أنا فلا أتزوج النساء ، وقال الآخر : أما أنا فلا آكل اللحم فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال : ما بال رجال يقول أحدهم كذا ، وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني } .

نعم التقليل من الطعام ومن بعض المباحات ، والاقتصاد في ذلك مع عدم الانهماك في اللذات والطرح للتكلف هو المطلوب المحمود والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية