غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( المقام الثاني ) في بعض عقوبات من أطلق نظره في الدنيا ممن أراد الله به خيرا ليزجره عن المعصية بإرسال ذلك . روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يتشلشل دما ، فقال له مالك ؟ قال مرت بي امرأة فنظرت إليها فلم أزل أتبعها بصري فاستقبلني جدار فضربني فصنع بي ما ترى ، فقال : إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته } .

وروى الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته بسنده عن أبي يعقوب النهرجوري قال : رأيت في الطواف رجلا بفرد عين وهو يقول في طوافه أعوذ بك منك ، فقلت له ما هذا الدعاء ؟ فقال : إني مجاور منذ خمسين سنة فنظرت إلى شخص يوما فاستحسنته فإذا بلطمة وقعت على عيني فسالت على خدي فقلت آه فوقعت أخرى وقائل يقول لو زدت لزدناك .

وروي بسنده عن عبد الرحمن بن أحمد بن عيسى بن أبي الأذان قال : كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه ، فرآني أستاذي [ ص: 91 ] أنظر إليه ، فقال يا بني لتجدن غبها ولو بعد حين ، فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي ذلك الغب ، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه فأصبحت وقد نسيت القرآن كله .

وفي تاريخ مكة للأزرقي قال أبو بكر بن أحمد بن نصر الدقاق الكبير قدس الله سره : جاورت بمكة عشر سنين فكنت أشتهي اللبن ، فغلبتني نفسي فخرجت إلى عسفان واستضفت حيا من أحياء العرب ، فنظرت إلى جارية حسناء بعيني اليمنى فأخذت بقلبي ، فقلت لها قد أخذ كلك بكلي فمالي لغيرك مطمع ، قالت تفتح بك الدواي الغالبة ، لو كنت صادقا لذهبت عنك شهوة اللبن ، قال : فقلعت عيني اليمنى التي نظرت بها إليها ، فقالت مثلك من نظر لله تعالى ، فرجعت إلى مكة وطفت أسبوعا ثم نمت فرأيت في منامي يوسف الصديق عليه السلام ، فقلت يا نبي الله أقر الله عينيك لسلامتك من زليخا ، فقال لي يا مبارك بل أنت أقر الله عينيك بالسلامة من العسفا ، ثم تلا عليه السلام { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فصحت من طيب تلاوته ورخامة صوته وانتبهت وإذا بعيني المقلوعة صحيحة .

وفي تبصرة ابن الجوزي بسنده إلى أبي بكر الكتاني قال : رأيت بعض أصحابنا في المنام فقلت ما فعل الله بك ؟ قال عرض علي سيئاتي فقال فعلت كذا وكذا ، فقلت نعم ، قال وفعلت كذا وكذا ، فاستحييت أن أقر ، فقلت : فما كان ذلك الذنب ؟ قال مر بي غلام حسن الوجه فنظرت إليه .

قال ابن الجوزي : وقد روي عن أبي عبد الله الزراد أنه رئي في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي كل ذنب أقررت به إلا ذنبا واحدا استحييت أن أقر به ، فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي ، قيل ما الذنب ؟ قال : نظرت إلى شخص جميل .

وقد أنهيت الكلام بما لعل فيه كفاية في هذا الباب في كتابي قرع السياط في قمع أهل اللواط . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية