غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في عدم حرمة استعمال ما فيه صورة إذا كانت ممتهنة .

( وما ) أي الذي ( لم يدس منها ) أي من الصور ، أو الفرش ، والمخاد التي فيها الصور ( لوهن ) أي لضعف وإهانة واحتقار . هذا مراد الناظم [ ص: 168 ] بالوهن هنا وفي بعض النسخ بدل هذه اللفظة اكرهن ( فشدد ) وعلى النسخة الأخرى بتشدد .

وحاصل هذا أن الصورة إنما تحرم إذا لم تكن ممتهنة ، وأما إذا كانت ممتهنة كما إذا كانت في البسط والزلالي التي يداس عليها وتمتهن ، أو كانت رقما في مداس يوطأ عليها فلا تحرم لما قدمنا من حديث عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين وغيرهما { أنها نصبت سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه . قالت : فقطعته وسادتين يرتفق عليهما } .

وفي لفظ للإمام أحمد : { فقطعته مرفقتين فلقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة } . فإذا منع من نصبه سترا على الحائط وتعليقه فلأن يكون ممنوعا من لبسه أولى . فإذا زال الإكرام وخلفه الامتهان بأن صار يداس ما فيه الصور زالت الحرمة . قال في الإقناع : لا افتراشه ، أي لا يحرم افتراش ما فيه الصور وجعله مخدا بلا كراهة .

وتكره الصلاة على ما فيه صورة ، ولو على ما يداس ، والسجود عليها أشد كراهة . ولا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة يعني محرمة على ما سبق في الكلب قال عليه الصلاة والسلام { إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة } يعني ملائكة الرحمة ، والبركة كما مر .

وأخرج الترمذي ، وقال حسن صحيح عن جابر رضي الله عنه { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت ، ونهى أن يصنع ذلك } فإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم تكره في المنصوص ، بأن أزيل منها رأسها ، أو لم يكن لها رأس ، لا أن فصل رأسها عن بدنها بما يشابه الطوق مما يزيدها حسنا فهذا لا تزول به الحرمة .

قال في الإقناع وغيره : وتباح صورة غير حيوان كشجر وكل ما لا روح فيه ، وقال في الغاية : وجاز تصوير غير حيوان كشجر . انتهى . وفي الفروع : وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم تكره . ومثله صورة شجر ونحوه وتمثال ، وكذا تصويره فأطلق بعضهم تحريم التصوير خلافا للثلاثة . [ ص: 169 ]

وفي الوجيز : يحرم التصوير واستعماله . وفي الفصول : تكره في الصلاة صورة ، ولو على ما يداس لقوله صلى الله عليه وسلم { لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة } وكلام الأصحاب هنا وفي الوليمة ظاهر ، وبعضه صريح أن الملائكة لا تمنع من دخوله تخصيصا للنهي . وذكره في التمهيد في تخصيص الأخبار . وفي تتمة الخبر من حديث علي رضي الله عنه { ولا كلب ولا جنب } إسناده حسن .

قال في الفروع : وظاهر كلامهم ، أو صريح بعضهم المراد كلب منهي عن اقتنائه ; لأنه لم يرتكب نهيا ، كرواية النسائي عن سليمان بن ثابت عن أم سلمة مرفوعا { لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس ، ولا تصحب الملائكة رفقة بها جرس } قال : ويتوجه احتمال : وكذا الجنب . وذكر شيخنا : لا تدخل الملائكة عليه إلا أن يتوضأ . وجزم به في الإقناع . قال في الفروع وفي الإرشاد : الصور والتماثيل مكروهة عنده في الأسرة ، والجدران وغير ذلك إلا أنها في الرقم أيسر ، وقد علمت أن المعتمد الحرمة . وكأن الناظم أشار إلى هذا القول على ما في بعض النسخ وما لم يدس منها اكرهن بتشدد والله أعلم .

( تتمة ) يكره الصليب في الثوب ونحوه ، جزم به في الإقناع ، والمنتهى . وظاهر نقل صالح تحريمه ، وصوبه في الإنصاف ، وذكره في الفروع احتمالا .

التالي السابق


الخدمات العلمية