غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 179 ] مطلب : في حكم ألبسة الصوف وما شاكلها :

وليس بلبس الصوف بأس ولا القبا ولا للنسا والبرنس افهمه واقتد

( وليس بلبس ) الإنسان ل ( لصوف ) بجميع أنواعه - قلت : ويستثنى من عمومه ما كان أحمر مصمتا ومزعفرا ومعصفرا فيكره لذلك لا لكونه صوفا - ( بأس ) اسم ليس " وخبره متعلق الجار ، والمجرور ، أي ليس بأس كائنا بلبس الصوف يعني لا حرج ولا حرمة ولا كراهة ، فيباح لبس ثياب الصوف ، وكذا الوبر والشعر حيث كان من حيوان طاهر . فقد أخرج ابن ماجه ، والحاكم واللفظ له عن أنس رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خشنا ولبس خشنا ، لبس الصوف واحتذى بالمخصوف } . قيل للحسن : ما الخشن ؟ قال : غليظ الشعير ، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيغه إلا بجرعة من ماء .

وفي سنده يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد . قال الحافظ المنذري : يوسف لا يعرف ، ونوح بن ذكوان قال أبو حاتم : ليس بشيء يعني بطلان تصحيح الحاكم له وأخرج الترمذي ، وقال غريب عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكان نعلاه من جلد حمار ميت } ورواه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط البخاري . قال الحافظ المنذري : توهم الحاكم أن حميدا الأعرج هو حميد بن قيس المكي وليس كذلك ، إنما هو ( حميد بن علي ) وقيس بن عمار أحد المتروكين . وقوله في الخبر : الكمة هي بضم الكاف وتشديد الميم القلنسوة الصغيرة .

وأخرج الحاكم موقوفا عن الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه قال : { كانت الأنبياء يستحبون أن يلبسوا الصوف ، ويحتلبوا الغنم ، ويركبوا الحمر } .

وأخرج البيهقي وغيره وأشار الحافظ المنذري إلى ضعفه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { براءة من الكبر لبوس الصوف ومجالسة فقراء المسلمين ، وركوب الحمار ، واعتقال العنز ، والبعير } . [ ص: 180 ] وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم عليه جبة من صوف ضيقة الكمين ، فصلى بنا فيها ليس عليه شيء غيرها } .

وروى البيهقي عن الحسن مرسلا وفي سنده لين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مروط نساء وكانت أكسية من صوف مما يشترى بالستة والسبعة وكن نساؤه يتزرن بها } وأخرج مسلم والترمذي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود المرط بكسر الميم وسكون الراء كساء يؤتزر به . قال أبو عبيد : وقد تكون من صوف ومن خز . وقولهما مرحل هو بفتح الحاء المهملة مشددة أي فيه صور رحال الجمال ، وقال في المطالع : قوله مرط مرجل ، كذا للهروي بالجيم ولغيره بالحاء المهملة أي موشى بصور الرجال ، والمراجل ، وقد جاء ثوب مراجل وممرجل .

وأخرج الإمام أحمد والشيخان وابن عساكر عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل وجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه عليه جبة شامية } ، وفي لفظ { رومية الكمين ، فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت فأخرج يده من أسفلها } . قلت : ليس في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد والشيخان أن الجبة كانت من صوف ، ولم يصب من زعم أنها من صوف وعزا الحديث للشيخين كما لا يخفى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية