غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حكم لبس القباء .

( ولا ) بلبس ( القباء ) ، وهو بالمد وقصره الناظم ضرورة . قال في [ ص: 183 ] المطلع : القباء ممدود . قال بعضهم هو فارسي معرب ، وقال صاحب المطالع : هو من قبوت إذا صممت ، وهو ثوب ضيق من ثياب العجم . وفي القاموس : القبوة انضمام ما بين الشفتين ، ومنه القباء من الثياب جمعه أقبية ، أي ليس بلبسه بأس ولا حرج ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبسه .

ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال { أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ، ثم صلى فيه ، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ، ثم قال : لا ينبغي هذا للمتقين } قال الحافظ المنذري : الفروج بفتح الفاء وتشديد الراء وضمها وبالجيم هو القباء الذي شق من خلفه .

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال { : لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قباء ديباج أهدي له ، ثم أوشك أن نزعه ، فأرسل به إلى عمر ، فقيل : قد أوشك ما نزعته يا رسول الله ، فقال : نهاني عنه جبريل ، فجاءه عمر يبكي فقال : يا رسول الله أكرهت أمرا وأعطيتنيه فما لي ؟ فقال : إني لم أعطكه لتلبسه إنما أعطيتكه لتبيعه ، فباعه عمر بألفي درهم }

وفي سنن النسائي عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا ، فقال مخرمة : يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت معه فقال : ادخل فادعه لي ، فدعوته فخرج إليه . وعليه قباء فقال : خبأت هذا لك . قال : فنظر إليه ، فقال : رضي مخرمة } ، وإنما نزع القباء في الحديثين الماضيين لكونه حريرا ، وكان لبسه صلى الله عليه وسلم له قبل تحريم الحرير ، فلما حرم نزعه ; ولذا قال في حديث مسلم { نهاني عنه جبريل } .

( فائدة ) : سئل شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه عن طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه في كميه ، هل هو مكروه أم لا ؟ فأجاب رضي الله عنه بأنه لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء ، وقد ذكروا جواز ذلك ، قال : وليس هذا من السدل المكروه ، لأن هذه اللبسة ليست لبسة اليهود . انتهى . [ ص: 184 ] ( ولا ) بأس بلبس الصوف ، والقباء ( للنساء ) حيث لا تشبيه . وتقدم في حديث عائشة عند مسلم وأبي داود وغيرهما { أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مروط نسائه وكانت أكسية من صوف } .

وفي الآداب الكبرى قال الأثرم لأبي عبد الله رضي الله عنه : الدراعة يكون لها فرج ؟ فقال كان لخالد بن معدان : دراعة لها فرج من بين يديها قدر ذراع . قيل لأبي عبد الله : فيكون لها فرج من خلفها ؟ فقال : ما أدري أما من بين يديها فقد سمعت ، وأما من خلفها فلم أسمع قال : ألا إن في ذلك سعة له عند الركوب ، ومنفعة انتهى .

قلت : وتقدم حديث الفروج ، وأنه القباء الذي شق من خلفه . قال في السيرة الشامية : هو أصل في لبس الخلفاء له والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية