غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 185 ] مطلب : يحرم لبس الحرير إلا لضرورة :

ولبس الحرير احظر على كل بالغ سوى لضنى أو قمل أو حرب جحد

( ولبس ) ثوب ( الحرير ) وعمامته وتكة سراويل وشرابة مفردة كشرابة البريد لا تبعا فحكمها مع التبعية الإباحة كالزر ، وكذا بطانة نحو ثوب من حرير ( احظر ) أي امنع وحرم ( على كل ) ذكر ، ولو كافرا ; لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .

ومثل اللبس افتراشه واستناده واتكاؤه عليه وتوسده وتعليقه وستر الجدر به غير الكعبة المشرفة . وكلام أبي المعالي يدل على أنه محل وفاق . وذكر في الفروع أن ذلك خلاف الحنفية .

قال م ص في شرح المنتهى عند قوله ويحرم استناد إليه وتعليقه يدخل فيه بشخابة وخيمة ونحوهما . قال : وحرم الأكثر استعماله مطلقا ، فدخل فيه تكة وشرابة مفردة وخيط سبحة انتهى .

وفي حواشي الفروع للعلامة ابن قندس بعد ذكر مسألة حشو الجباب قال : وقد ذكر الدميري الشافعي في شرح المنهاج في أواخر باب صلاة الخوف قال : فروع يجوز حشو الجبة ، والمخدة منه أي الحرير ، والجلوس عليه إذا بسط فوقه ثوب ، ولو نظم سبحة في خيط حرير لم يحرم استعمالها ، ولا يجوز لبس جبة بطانتها حرير انتهى فكأنه مرتض لهذا والله أعلم .

( بالغ ) فلا يحرم على الولي إلباس الصغير ثياب الحرير لعدم تكليفه قال سعيد حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال : كانوا يرخصون للصبي في خاتم الذهب فإذا بلغ ألقاه . قال في الفروع : هشيم مدلس ، وهذا قول مرجوح ، ، والمذهب أنه يحرم على الولي إلباس ذلك للصبي كما يأتي في كلام الناظم .

مطلب : في ذكر الأحاديث الواردة في تحريم لبس الحرير .

وقد ورد في تحريم الحرير ، عن البشير النذير ، عدة أحاديث صحيحة ، وبتحريمه ، والمنع من استعماله صريحة . منها ما رواه الشيخان وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال [ ص: 186 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لا تلبسوا الحرير ، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة } ورواه النسائي وزاد : وقال ابن الزبير { من لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة . قال الله تعالى { ولباسهم فيها حرير } } .

وفي الصحيحين عن عمر أيضا رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : إنما يلبس الحرير من لا خلاق له } زاد البخاري وابن ماجه وغيرهما { من لا خلاق له في الآخرة } . .

وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة } .

والنسائي وابن حبان في صحيحه ، والحاكم ، وقال صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا { من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه }

وأخرج أبو داود والنسائي عن علي رضي الله عنه قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه ، وذهبا فجعله في شماله ، ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي } .

وفي صحيح البخاري عن حذيفة رضي الله عنه قال : { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب ، والفضة ، وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه } .

وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا { لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله } . وروى الإمام أحمد أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا يرجو أن يلبسه في الآخرة } . قال الحسن : فما بال أقوام يبلغهم هذا عن نبيهم يجعلون حريرا في ثيابهم وبيوتهم وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول { : من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا } . وأخرج البزار بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه مرفوعا { قال الله [ ص: 187 ] تعالى : من ترك الحرير ، وهو يقدر عليه لأكسوته إياه في حظيرة القدس } وقول الناظم رحمه الله ( سوى ) لبس الحرير ( ل ) أجل ( ضنى ) أي مرض ، وهو بالضاد المعجمة والنون مقصورا . قال في القاموس : ضني كرضي ضنى فهو ضني ، وضن كحري وحر ، مرض مرضا مخامرا كلما ظن برؤه نكس ، وأضناه المرض . انتهى . استثناه من الحظر ، أي حرم لبس الحرير على كل ذكر بالغ سوى لبسه لمرض ( أو ) أي وسوى لبسه ل ( قمل ) واحدته قملة ، ويقال له قمال قاله ابن سيده . ويتولد من العرق ، والوسخ إذا أصاب ثوبا أو ريشا ، أو شعرا حتى يصير المكان عفنا .

قال الجاحظ : وربما كان الإنسان قمل الطباع ، وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب ، كما { عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما حين استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير فأذن لهما فيه } ، ولولا الحاجة ما أذن لهما فيه لما جاء في ذلك من الوعيد الشديد .

وقصة إباحته صلى الله عليه وسلم لبس الحرير لابن عوف والزبير رضي الله عنهما في الصحيحين ومثل جواز لبس الحرير لقمل لبسه لأجل حكة ، ولو لم يؤثر في زوالها ، جزم به في الإقناع ، والمنتهى . قال في الفروع خلافا لمالك في رواية عنه قال الدميري : قال الإمام مالك : لا يجوز لبسه يعني الحرير مطلقا ، لأن وقائع الأحوال عنده لا تعم .

( أو ) أي وسوى لبسه ل ( حرب جحد ) أي كفار . والمراد لحرب مباح إذا تراءى الجمعان . ويمتد وقت إباحة لبسه إلى انقضاء القتال ، ولو كان لبس الحرير الخالص في حال الحرب بلا حاجة في الأصح نصا ; لأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء ، والفخر ، وهو غير مذموم في الحرب .

قال ابن مفلح في الآداب الكبرى ، والوسطى : يباح في الحرب من غير حاجة في أرجح الروايتين في المذهب . وفي تجريد العناية : يباح على الأظهر . وصححه في التصحيح ، وجزم به في الإفادات ، والوجيز ومنتخب الأدمي وإدراك الغاية وغيرهم . [ ص: 188 ] وقطع به في الإقناع ، والمنتهى ، والغاية وغيرها .

والرواية الثانية عدم الإباحة اختارها ابن عبدوس في تذكرته . وقدمه في المستوعب ، والمحرر ، وقد علمت أن المذهب الإباحة والله أعلم . وإلى هذا الخلاف أشار الناظم رحمه الله تعالى مرجحا ما هو المعتمد في المذهب فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية