غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( تتمة ) في فوائد تتعلق بما نحن بصدده :

مطلب : التواضع محمود شرعا وطبعا .

( الأولى ) : التواضع محمود شرعا وطبعا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { ما تواضع لله أحد إلا رفعه } .

وعن نصيح العنسي عن ركب المصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طوبى لمن تواضع لله في غير منقصة ، وذل في نفسه من غير مسألة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، وخالط أهل الفقه والحكمة طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته ، وكرمت علانيته ، وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله } رواه الطبراني . وقد حسنه أبو عمر النمري وغيره . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين } زاد ابن حبان { ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس عليها باب ولا كوة لخرج ما غيبه للناس كائنا ما كان } .

[ ص: 231 ] أخرج الإمام أحمد والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا أعلمه إلا رفعه قال { يقول الله تبارك وتعالى : من تواضع لي هكذا ، وجعل يزيد باطن كفه إلى الأرض وأدناها رفعته هكذا ، وجعل باطن كفه إلى السماء ورفعها نحو السماء } .

ورواه الطبراني بلفظ { قال عمر بن الخطاب على المنبر أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تواضع لله رفعه الله قال انتعش نعشك الله فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه صغير ، ومن تكبر قصمه الله وقال اخسأ فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير } . والطبراني والبزار بنحوه وإسنادهما حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك ، فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته ، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته }

وقال الحافظ المنذري : الحكمة بفتح الحاء المهملة والكاف هي ما يجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه .

والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا { من تواضع لأخيه المسلم رفعه الله . ومن ارتفع عليه وضعه الله } .

وذكر ابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حسب إلا في التواضع ، ولا نسب إلا بالتقوى ، ولا عمل إلا بالنية ، ولا عبادة إلا باليقين } .

وفي الآداب الكبرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من عظمت نعمة الله عليه فليطلب بالتواضع شكرها ، فإنه لا يكون شكورا حتى يكون متواضعا } .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه " إن من التواضع الرضا بالدون من شرف المجلس ، وأن تسلم على من لقيت .

وقال ابن المبارك " كان يقال : الغنى في النفس ، والكرم في التقوى ، والشرف في التواضع " .

وكان سليمان بن داود عليه السلام يجلس في أوضع مجالس بني إسرائيل ويقول : مسكين بين ظهراني مساكين .

[ ص: 232 ] وكان يقال : ثمرة القناعة الراحة ، وثمرة التواضع المحبة .

وقال لقمان لابنه : يا بني تواضع للحق تكن أعقل الناس .

وقال بعض الحكماء : إذا سئل الشريف تواضع ، وإذا سئل الوضيع تكبر .

وقال بزرجمهر : وجدنا التواضع مع الجهل والبخل ، أحمد من الكبر مع الأدب والسخاء .

وقال ابن السماك للرشيد : تواضعك في شرفك أفضل من شرفك .

وقال بعض الشعراء :

الكبر ذل والتواضع رفعة والمزح والضحك الكثير سقوط     والحرص فقر والقناعة عزة
واليأس من صنع الإله قنوط

وقيل : التواضع سلم الشرف .

وقال مجاهد : إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال ، وتواضع الجودي فرفعه فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه فسبحان من تواضع كل شيء لعزة جبروت عظمته ، وخضع لجلال عظيم حكمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية