غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس السراويل أم لا ؟ .

( الثاني ) : اختلف العلماء هل لبس السراويل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ قال في الآداب الكبرى : قد روي عن إبراهيم وموسى عليهما السلام أنهما لبساه ولبسه النبي صلى الله عليه وسلم .

وروي عن غير واحد من الصحابة كسلمان وعن علي أنه أمر به .

وذكر الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه الوفي وأخرجه ابن حبان عن بريدة رضي الله عنه قال : { إن النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأهديت لك هدية جامعة قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين ، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما } قال سليمان بن داود أحد رواة الحديث : قلت للهيثم بن عدي ما العطاف ؟ قال : الطيلسان .

وأخرج ابن حبان عن { سويد بن قيس قال : جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر إلى مكة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل ، وثم وزان يزن بالأجر ، فقال : إذا زنت فأرجح } وأخرجه الإمام أحمد أيضا من حديث مالك بن عميرة الأسدي قال { قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني سراويل فأرجح لي } قال في الفتح وما كان ليشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار .

وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة { دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم } الحديث وفيه { فقلت : يا رسول الله ، وإنك لتلبس السراويل ؟ قال : أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالتستر } وفيه يوسف بن زياد البصري ضعيف .

قال في الهدي : اشترى صلى الله عليه وسلم السراويل والظاهر إنما [ ص: 242 ] اشتراه ليلبسه .

ثم قال : وروي في حديث { أنه لبس السراويل وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه } .

قلت : وميل الإمام المحقق في الهدي إلى أنه صلى الله عليه وسلم لبسها وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح وقال جماعة من العلماء : لم يلبسها عليه الصلاة والسلام ولا يلزم من شرائه لها لبسها .

وقاله المناوي في شرح الجامع الصغير والله أعلم .

( الثالث ) : التبان في معنى السراويل .

قال في الآداب الكبرى : روى وكيع بإسناده أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر غلمانها بالتبابين وهم محرمون .

قال في المطالع : التبان شبه السراويل قصيرة الساق . وقال الحجاوي في لغة إقناعه : التبان بضم التاء وتشديد الباء هو سراويل قصيرة جدا . وقال الجوهري : هو مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط ويكون للملاحين وجمعه تبابين انتهى .

فإذا علمت ذلك ، وفهمت ما هنالك من كون السراويل سنة إبراهيم الخليل ، والنبي النبيل على أحد الأقاويل ، والصحابة الكرام ، واختيار العلماء الأعلام ( فالبسه ) أي السراويل ( واقتد ) بمن ذكرنا لك أنهم لبسوه فإنهم أهل لأن يقتدى بهم لا سيما الاقتداء .

( بسنة ) سيدنا ( إبراهيم ) الخليل عليه الصلاة والسلام ( فيه ) أي في لبسه ( و ) سنة نبينا وحبيبنا ( أحمد ) المختار ( وأصحابه ) الأخيار ، عليه وعليهم الصلاة والسلام ما تعاقب الليل والنهار ( و ) لكن لبسهم ( الأزر ) جمع إزار ( أشهر ) من لبسهم السراويل ( أكد ) فعل أمر من التأكيد وحرك بالكسر للقافية .

قال في الفروع في الادهان وكونه غبا أو مطلقا لحاجة للخبر .

واختار شيخنا فعل الأصلح للبدن كالغسل بماء حار ببلد رطب ، لأن المقصود ترجيل الشعر ، ولأنه فعل الصحابة رضي الله عنهم ، وأن مثله نوع اللبس والمأكل ، وأنهم لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده ، ويلبس من لباس بلده ، من غير أن يقصدوا قوت المدينة [ ص: 243 ] ولباسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية