غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : حكم لبس الطيلسان .

الحادي عشر : لم يستحب علماؤنا لبس الطيلسان بل كرهوا لبس المقور منه .

قال في الإقناع والمنتهى : وكره لرجل لبس الطيلسان ، وهو المقور ، وفي الإنصاف : يكره الطيلسان في أحد الوجهين .

قال في التلخيص وابن تميم : وكره الطيلسان واقتصر عليه .

زاد في التلخيص : وهو المقور .

والوجه الثاني : لا يكره يل يباح ، وقدمه في الرعاية والآداب .

وأطلقهما في الفروع .

وقال في الآداب : قيل يكره المقور والمدور ، وقيل وغيرهما غير المربع .

قال في شرح المنتهى وغيره : وإنما يكره المقور دون سائرها ; لأنه يشبه لبسة رهبان الملكيين من النصارى .

قال الإمام المحقق ابن القيم في الهدي : لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسه يعني الطيلسان ولا أحد من أصحابه ، بل ثبت في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه ذكر الدجال فقال : يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة } .

ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة .

فقال : ما أشبههم بيهود خيبر ، ومن هنا كرهه جماعة من السلف والخلف لما روى أبو داود . والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من تشبه بقوم فهو منهم } . وفي الترمذي : { ليس منا من تشبه بغيرنا } .

قال : وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى [ ص: 257 ] أبي بكر متقنعا بالهاجرة فإنما فعله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك للحاجة من حر ونحوه انتهى .

وعورض بأنه قد روى الترمذي في الشمائل وابن سعد والبيهقي عن يزيد بن أبان والخطيب عن الحسن بن دينار عن قتادة كلاهما عن أنس والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع } ولفظ الترمذي وسهل " القناع " وفي لفظ { ما رأيت أدوم قناعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم } زاد أنس { حتى كأن ثوبه ثوب زيات أو دهان } ولفظ الخطيب { كأن ملحفته ملحفة زيات } وهذا الحديث باعتبار طرقه وشواهده حسن ، وعورض قوله رحمه الله ورضي عنه : " ولا أحد من أصحابه " بأنه قد فعله جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بحضرته وبعد وفاته منهم أبو بكر وعمر وعثمان والحسن بن علي رضي الله عنهم .

فقد روى أبو يعلى وابن عساكر من طرق { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : إن رجلي على ترعة من ترع الحوض ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت المنبر لمتوافرون وأبو بكر مقنع في القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عبدا من عبيد الله تعالى خيره ربه أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها ، وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها ، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه ، فلم يفطن أحد من القوم لما قال غير أبي بكر فانتحب باكيا } .

وروى ابن عساكر عن زر بن حبيش قال : خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب وهو يمشي متلثما ببرد قطري .

وروى الإمام أحمد وغيره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة ومر رجل مقنع } ، وفي لفظ { بردائه فقال : هذا يومئذ على الهدى فإذا هو عثمان رضي الله عنه } .

وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد في الطبقات عن العلاء قال : رأيت الحسن بن علي رضي الله عنهما يصلي ، وهو مقنع .

وفي شعب البيهقي عن خالد بن خداش قال : جئت مالك بن أنس [ ص: 258 ] فرأيت عليه طيلسانا ، فقلت يا أبا عبد الله هذا شيء أحدثته أم رأيت عليه الناس ؟ قال : لا بل رأيت عليه الناس .

وأقول : المراد بالطيلسان الطيلسان المقور كما صححه علماؤنا ، وهذا واضح ، ودليله ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن جابر رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال : يكون معه سبعون ألفا من اليهود على كل رجل منهم ساج وسيف } .

قال في النهاية : الساج الطيلسان الأخضر ، وقيل هو الطيلسان المقور ينسج كذلك .

وقال الإمام القاضي أبو يعلى بن الفراء : لا يمنع أهل الذمة من الطيلسان ، وهو المقور الطرفين المكفوف الجانبين الملفق بعضها إلى بعض ، ما كانت العرب تعرفه وهو لباس اليهود قديما ، والعجم أيضا والعرب تسميه ساجا .

ويقال : إن أول من لبسه من العرب جبير بن مطعم ، وكان ابن سيرين يكرهه .

وفي القاموس : الطيلس والطيلسان مثلثة اللام عن عياض وغيره معرب أصله تالسان . ويقال في الشتم . يا ابن الطيلسان أي إنك أعجمي ، والجمع طيالسة . وفي لغة الإقناع : الطيلسان فارسي معرب . قال الفارابي : هو فيعلان - بفتح الفاء والعين - وبعضهم بكسر العين لغة . قال الأزهري : ولم يأت اسم فيعلان - بكسر العين بل بالضم - مثل الخيزران والجمع طيالسة . انتهى . ( تتمة ) ذكر الثعالبي في فقه اللغة أن أصغر ما يغطى به الرأس يقال له البخنق ، وهو خرقة تغطي ما أقبل من الرأس ، وما أدبر ، ثم الغفارة فوقها ودون الخمار ، ثم الخمار أكبر منها ، ثم المقنعة ، ثم النصيف وهو كالنصف من الرداء ، وأكبر من المقنعة ، ثم المعجر ، وهو أكبر من المقنعة وأصغر من الرداء ، ثم القناع والرداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية