غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : حكم لبس جلود السنجاب والقاقم .

( و ) قد كره أيضا ( سنجابهم ) أي يكره لبس جلود السنجاب وهو حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأر ، شعره في غاية النعومة ، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون ، وهو شديد الحقد إذا أبصر الإنسان صعد الشجر العالي ، وفيها يأوي ، ومنها يأكل ، وهو كثير ببلاد الصقالبة والترك ، ومزاجه حار رطب لسرعة حركته على حركة الإنسان ، وأجود جلوده الأزرق الأملس .

قال في الإنصاف : في السنجاب وجهان وأطلقهما في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين والنظم والفروع أحدهما يحرم ، صححه في الرعاية الكبرى وتصحيح المحرر .

وقال القاضي : يحرم لأنه ينهش الحيات فأشبه الجرز .

وميل الإمام الموفق وابن أخيه الشارح إلى الإباحة .

( و ) كذا كره ( القاقم ) وهو دويبة تشبه السنجاب ، إلا أنه أبرد منه مزاجا وأبيض ; ولهذا هو أبيض يقق ، ويشبه جلده جلد الفنك ، وهو أعز قيمة من السنجاب ، فأشعر كلام الناظم بكراهة لبسه ( أيضا ) كالسنجاب على ما علمت فيه ( ليزدد ) الواقف على هذا النظم من المعرفة والعلم من إباحة المباح وحظر المحرم ، وحكاية الوجهين ليتبصر ويفهم ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

[ ص: 267 ] تنبيهات ) :

( الأول ) : لم أر لمتقدمي الأصحاب - رحمهم الله تعالى - في القاقم كلاما ، ولم يذكره في الفروع ولا تصحيحه ، ولا في الإنصاف ولا في التنقيح ولا في المقنع ، وكذا لم يذكره في غاية المطلب والآداب الكبرى والتنقيح والمنتهى ، وذكره في الإقناع في باب ستر العورة .

وكأن الناظم رحمه الله تعالى قاسه على السنجاب ، وحكى فيه الخلاف الذي في السنجاب ، وكأنه أراد بقوله : ليزدد أي : القاقم على ما ذكروه ; إذ العلة في كل واحدة ، والله - تعالى - أعلم .

الثاني : استدل علماؤنا - رحمهم الله تعالى - على القول بحرمة المذكورات بحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع } متفق عليه .

وفي صحيح مسلم عن أبي رضي الله عنه { كل ذي ناب حرام } وغيرهما من الأحاديث ، فتخص عموم الآيات القرآنية ، والثعلب وما عطف عليه ذوات أنياب ، فهي من السباع ، فتدخل في عموم النهي .

وفي تمهيد ابن عبد البر أن السنجاب والفنك والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وابن عرس انتهى .

وبه تعلم أن كل من أباح لبس جلد الثعلب فهو يبيح جلد غيره من المذكورات ; لأنها مشبهة به من كونها مثله في السبعية ، والله أعلم .

مطلب : أول من اتخذ الفراء .

( الثالث ) : أول من اتخذ الفراء والجلود مثل السنجاب والسمور ونحوهما من أنواع الجلود ولبسها وألبسها شيخ شاه الملقب عند العجم ييش داديان ، كان ملكا حكيما عادلا فطنا ، وله كتاب عظيم في الإلهيات وأنواع الهياكل ، وجدد في خلافة المأمون .

واسم كتابه جاودان الصغير ، وترجم بالعربية .

قال البيضاوي في تاريخه : يدل كتابه على حكمته وديانته وحذاقته حتى إن العجم قالت بنبوته .

وهو أول من ترك الملك وتخلى للعبادة ، فقتل في معبده ، وانتقم من بعده طهمورث من قتلته وأبادهم جميعا ، وبنى في موضعه مدينة بلخي .

قال علي دده في أوائله : وكان تلميذا لإدريس عليه السلام .

وذكره في أصول التواريخ وغيره من العلماء ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية