غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا : وقل لأخ أبل وأخلق ويخلف الإله كذا قل عش حميدا تسدد ( وقل ) أي يندب لك أن تقول ( ل ) كل ( أخ ) لك في الإسلام إذا لبس ثوبا جديدا ( أبل ) من أبلى الثوب وبلاه أي أفنى الثوب ( وأخلق ) أي صيره خلقا ، يعني : الله يبليه ويصيره خلقا ، وهذا دعاء لصاحب الثوب بطول الحياة ، كأنه دعا له أن يطول الله عمره حتى يبليه ويخلقه ، ولا يخلفه وراءه تركة ( ويخلف ) عليه ( الإله ) المعبود بحق الذي يعطي الكثير ، ويرضى بالبر اليسير ، جل شأنه ، تعالى سلطانه ، وذلك لما روى الإمام أحمد والبخاري في صحيحه عن أم خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة كساء سوداء ، قال من ترون نكسوها هذه الخميصة ؟ فأسكت القوم ، فقال ائتوني بأم خالد ، فأتى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده وقال : أبلي وأخلقي يا أم خالد ، هذا سنا قال ذلك مرتين } .

قال في الآداب الكبرى : السنا بلسان الحبشة الحسن .

قال في النهاية : يروى أخلقي بالقاف من إخلاق الثوب تقطيعه ، وقد خلق الثوب وأخلق .

ويروى بالفاء بمعنى التعويض والبدل ، قال : وهو أشبه . انتهى .

وقال في المطالع : أبلي وأخلفي ، كذا لأبي ذر وأبي زيد المروذي بالفاء ، ولغيرهما بالقاف من إخلاق الثوب .

قال : ومعناه أن يكتسب خلفه بعد بلاه ، يقال خلف الله لك مالا ، وأخلفه وهو الأشهر يعني بالفاء رباعي انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : قوله : أخلقي بقطع الهمزة [ ص: 287 ] والخاء المعجمة والقاف أمر بالإخلاق ، والعرب تطلق ذلك ، وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق .

قال الخليل : أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وارقعها ، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته قال : ووقع في رواية أبي زيد المروذي عن القريري وأخلفي بالفاء ، وهي أوجه من التي بالقاف ; لأن الأولى تستلزم التأكيد ; إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين ، والثانية تفيد معنى زائدا ، وهو أنه إذا أبلته أخلفت غيره .

وعلى ما قاله الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد . انتهى .

والنظم مبني على رواية القاف بدليل إتيانه بقوله : ويخلف الإله إلخ .

( كذا ) أي كما تقول : أبل وأخلق ويخلف الله سبحانه ( قل ) أنت لأخيك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث الذي ذكرناه آنفا البس جديدا و ( عش حميدا ) ومت شهيدا .

فإن أنت قلت هذا ( تسدد ) أي تصب في الخطاب ، وتوفق لمتابعة سنة النبي الأواب ، فإنها الدين القويم ، والصراط المستقيم ، فمن تمسك بها نجا ، ومن حاد عنها وقع في ظلمات الدجى .

فنسأل الله سبحانه أن يمنحنا نيلها ، ويهدينا سبيلها ، إنه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير .

التالي السابق


الخدمات العلمية