غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يكره المشي في فرد نعل واحدة : ويكره مشي المرء في فرد نعله اخ تيارا أصخ حتى لإصلاح مفسد ( ويكره ) تنزيها ( مشي المرء ) من ذكر وأنثى ( في فرد نعله ) أي في نعل فرد والمراد بلا حاجة .

قال في الفروع : ويكره المشي في نعل واحدة بلا حاجة ، ونصه يعني الإمام - رضي الله عنه : ولو يسيرا .

ولذا قال الناظم ( اختيارا ) يعني في حال اختيار الماشي مع صحة رجليه بخلاف من له رجل واحدة .

أو كان بإحدى رجليه ما يمنع لبس النعل من قرحة ونحوها فإنه [ ص: 300 ] لا كراهة في حقه بلبسه فردة نعل واحدة ( أصخ ) من صاخ وأصاخ إذا استمع أي استمع نظامي وافتهم كلامي وع لما أبديه لك من الأحكام ، فإن من استمع وتفهم ، ووعى وتعلم ، وارتقى بسلم التعليم عل الأنام ، إلى أن تشهد له الخليقة بأنه إمام ( حتى ) تنتهي كراهة لبس فردة نعل واحدة ( ل ) أجل ( إصلاح مفسد ) أي من نعليه يعني أنه لو كانت إحدى نعليه فاسدة غير صالحة للبس والأخرى صالحة لم تزل الكراهة بذلك ، بل يكره لبسه الصحيحة ، والحالة هذه حتى يصلح الفاسدة ويلبسهما معا .

وذلك لما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يمشي أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا } وفي رواية { أو ليحفهما جميعا } .

وفي رواية لمسلم { إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها } ورواه مسلم أيضا من حديث جابر رضي الله عنه . وفيه { ولا خف واحد } .

والشسع بكسر الشين المعجمة : قبال النعل كما في القاموس .

قال ابن الأثير : إنما نهى عن المشي في نعل واحدة لئلا تكون إحدى الرجلين أرفع من الأخرى ، ويكون سببا للعثار ، ويقبح في المنظر ، ويعاب فاعله .

وقال القاضي وابن عقيل في الفصول وسيدي الشيخ عبد القادر في الغنية : له لبس الصالحة وحدها حتى يصلح الفاسدة من غير كراهة ، واستدلوا بأن عليا رضي الله عنه مشى بنعل واحدة ، وأن سيدتنا عائشة رضي الله عنها مشت في خف واحد رواهما سعيد .

قال الناظم : ودليل الرخصة ما روي عن علي رضي الله عنه { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعله مشى في نعل واحدة ، والأخرى في يده حتى يجد شسعا } .

قال : وأحسب هذا لا يصح .

ونقله في الفروع وقال : لعله من كلام القاضي يعني الاستدلال بهذا الخبر .

قلت : روى الحديث المذكور الترمذي من حديث عائشة ولفظه : قالت : { ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى [ ص: 301 ] يصلحها } أشار في الفتح إلى ضعفه . ورجح البخاري وغير واحد وقفه على عائشة . وروى الترمذي عنها أيضا بسند صحيح أنها كانت تقول : لأخالفن أبا هريرة فنمشي في نعل واحدة وفي بعض الروايات لأحتفين ، ومعناه لأفعلن فعلا يخالفه .

وقد اختلف في ضبط هذه اللفظة ، فروي لأخالفن ، وروي لأحنثن ، وروي لأخيفن بكسر الخاء المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء ، وهي تصحيف .

قال ابن عبد البر : لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة في ذلك .

وقد ورد عن علي وابن عمر أيضا أنهما فعلا ذلك ، وكأنهما حملا النهي على التنزيه ، أو كان زمن فعلهما يسيرا أو لم يبلغهما النهي . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية