غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : المشيات عشرة أنواع ( تنبيهات ) :

( الأول ) : قال الإمام المحقق ابن القيم في زاد المعاد : المشيات عشرة أنواع ، أحسنها وأسكنها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب } .

وقال مرة : { إذا مشى تقلع } ، والتقلع الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط في الصبب ، يعني يرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا بقوة ، والتكفؤ التمايل إلى قدام ، كما تتكفأ السفينة في جريها ، وهو أعدل المشيات .

قلت : وفي مسند الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { ما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنما الأرض تطوى له ، كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا ، وإنه لغير مكترث } .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل } . [ ص: 349 ] وابن سعد عن مرثد بن مرشد قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل فلا يدركه } .

وروي عن علي رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب } . ورواه البخاري وزاد : { وإذا مشى لكأنما يمشي في صعد } . وفي رواية لابن سعد عنه رضي الله عنه { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب } . وروي أيضا عنه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تقطع كأنما ينحدر من صبب } .

فدلت هذه الأحاديث وأمثالها مما لم نذكر أن مشيته صلى الله عليه وسلم لم تكن بمماتة ولا بمهانة ، والصبب بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الأولى : الموضع المنحدر من الأرض ، وذلك دليل على سرعة مشيه ; لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه ، والتقطع الانحدار من الصبب ، والتقطع من الأرض قريب بعضه من بعض .

يعني أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال ومبادرة شديدة ، وأراد به قوة المشي ، وأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطوه ، فإن ذلك من مشي النساء .

نعم ينبغي للإنسان أن يقارب خطاه إذا كان ذاهبا إلى المسجد لأجل الصلاة كما مر .

فأعدل المشيات مشيته صلى الله عليه وسلم فإن الماشي إن كان يتماوت في مشيته ويمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة فمشية قبيحة مذمومة .

قال ابن القيم رحمه الله : الثانية من المشيات : أن يمشي بانزعاج واضطراب ، مشي الجمل الأهوج ، وهي مذمومة أيضا ، وهي علامة على خفة عقل صاحبها ، ولا سيما إن كان يكثر الالتفات يمينا وشمالا .

الثالثة : أن يمشي هونا وهي مشية عباد الرحمن .

قال غير واحد من السلف : بسكينة ووقار من غير كبر ولا تماوت ، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 350 ] الرابعة : السعي . الخامسة : الرمل وتسمى الخبب ، وهي إسراع المشي مع تقارب الخطا بخلاف السعي . السادسة : السيلان ، وهو العدو الخفيف بلا انزعاج .

السابعة : الخوزلى ، وهي مشية فيها تكبر وتخنث . الثامنة : القهقرى وهي المشي إلى ورائه .

التاسعة : الجمزى يثب فيها وثبا . العاشرة : التمايل كمشية النسوان . وإذا مشى بها الرجل كان متبخترا . وأعلاها مشية الهون والتكفؤ انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية