غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 109 ] وقد قال بعض السلف لبعض : لا حتى تقول في وجهي ما أكره ، فإذا أخبر الرجل أخاه بعيبه ليجتنبه كان ذلك حسنا ، ويحق لمن أخبر بعيبه على هذا الوجه أن يقبل النصح ويرجع عما أخبر به من عيوبه أو يعتذر منها إن كان له منها عذر . وإن كان ذلك على وجه التوبيخ والتعيير فهو قبيح مذموم . وقيل لبعض السلف أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك ؟ فقال إن كان يريد أن يوبخني فلا . فالتعيير والتوبيخ بالذنب مذموم .

وفي الترمذي وغيره مرفوعا { من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله } قال الحافظ : وحمل ذلك على الذنب الذي تاب منه صاحبه . قال : المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويفضح . وقال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف : اجتهد أن تستر العصاة فإن ظهور عوراتهم وهن في الإسلام ، وأحق شيء بالستر العورة .

وأخرج الترمذي عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك } وقال حسن غريب .

ويروى من حديث ابن مسعود مرفوعا بإسناد فيه ضعف { البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها } . وقال الحسن : كان يقال : من عير أخاه بذنب تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به .

وأخرجه الترمذي من حديث معاذ مرفوعا بلفظ { من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله } قال الحافظ إسناده منقطع . انتهى .

والحاصل أن القدح لا يكون غيبة محرمة في مواضع . إما لكون المقدوح فيه مبتدعا أو فاسقا معلنا . أو في المشورة ، لأن المستشار مؤتمن ، أو كون ما يكرهه صار له لقبا كالأعرج والأعمش ، أو ذكر ضعفه وكذبه في الجرح والتعديل لأجل حفظ السنن ، أو ما يأتي إن شاء الله تعالى في النهي عن المنكر إذا رفعه لمن يقدر على إزالته ، وسيأتي إن شاء الله تعالى مفصلا .

ونظم ذلك بعضهم فقال :

القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر     ولمظهر فسقا ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر



التالي السابق


الخدمات العلمية