غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة نوم المرء قبل غسل الفم واليدين من الدسم : ويكره نوم المرء من قبل غسله من الدهن والألبان للفم واليد ( ويكره ) تنزيها ( نوم المرء ) من ذكر وأنثى إذا أكل دسما له دهنية أو لبنا ( من قبل غسله ) أي غسل المرء الذي أكل ، ومثله من باشر ذلك [ ص: 354 ] حتى حصل له تلويث به ولو لم يأكل ( من الدهن ) الجار والمجرور متعلق بغسله .

والدهن كل ما له دهنية من الودك والسمن والزيت ونحوها ( و ) من ( الألبان ) جمع لبن لأن لأثره دسما وزهومة وقد قدمنا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } إسناد حسن . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .

قال في النهاية : الغمر بالتحريك الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن ، والوضر الأثر من غير الطيب ، ومنه حديث { جعل يأكل ويتتبع باللقمة وضر الصحفة } أي دسمها وأثر الطعام فيها .

وفي حديث أم هانئ { فسكبت له في صحفة إني لأرى فيها وضر العجين } .

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض ، وقال : إن له دسما } . ورواه البخاري أيضا وابن ماجه وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه ولفظه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب شاة وشرب من لبنها ودعا بماء فمضمض فاه وقال : إن له دسما }

وأما ما رواه أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ } فضعيف ، وعلى فرض ثبوته فيكون تركه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، ونحن إنما نقول بالكراهة حيث ترك غسل أثر الدهن واللبن ونحوهما مما له دسومة عند إرادة النوم ( للفم ) متعلق بغسله ( واليد ) معطوف عليه .

وقد تقدم حديث { إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم ، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } رواه الترمذي وحسنه والحاكم . وتقدم الكلام على هذا في آداب الأكل وهذا إنما ذكر هنا لأنه من آداب النوم أيضا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية