غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حرمة اللعن لمعين وما ورد فيه .

( ثم ) هي حرف عطف تفيد الترتيب والتراخي ، وكأنه عطف بها على ما قبلها لشدة حرمة اللعن ، فبينه وبين ما قبله بون في الحرمة ، فيحرم إفشاء ( لعن ) وأصله الطرد والإبعاد من الله تعالى ، ومن الخلق السب والدعاء كما في النهاية .

وفي القاموس : لعنه كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون والجمع ملاعين والاسم اللعان واللعانية ، واللعنة بالضم من يلعنه الناس ، وكهمزة الكثير اللعن لهم .

وقال الحجاوي في لغة إقناعه : لعنه لعنا من باب نفع طرده وأبعده أو سبه فهو لعين وملعون ، والمرأة لعين والفاعل لعان ، والشجرة الملعونة هي كل من ذاقها كرهها ولعنها ، يعني شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم ، جعلها جل شأنه فتنة للكافرين ، فقالوا النار تحرق الشجر فكيف تنبته ؟ ( مقيد ) أي لمعين فيحرم لعن الإنسان بعينه [ ص: 120 ] أو دابة ، وأما الكفار عموما فلا يحرم كما سنذكره .

قال صلى الله عليه وسلم { إن من أكبر الكبائر أن يلعن ، الرجل والديه . قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه } رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وأخرج مسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا } ورواه الحاكم وصححه بلفظ { لا يجتمع أن يكونوا لعانين صديقين } .

وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت { مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يلعن بعض رقيقه ، فالتفت إليه وقال لعانين وصديقين كلا ورب الكعبة . فعتق أبو بكر رضي الله عنه يومئذ بعض رقيقه ، قال ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا أعود } . وأخرج مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة } ورواه أبو داود ولم يقل يوم القيامة . والترمذي وحسنه عن ابن مسعود رفعه { لا يكون المؤمن لعانا } .

وأخرج البخاري ومسلم { لعن المؤمن كقتله } والطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر .

وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا ، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها } .

وأخرج الإمام أحمد بإسناد جيد عن ابن ، مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه ، فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وإلا قالت يا رب وجهت إلى [ ص: 121 ] فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا ، فيقال لها ارجعي من حيث جئت } .

وأخرج مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها ، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض . لها أحد } .

وروى أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه قال { سار رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعن بعيره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون } . وقد { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعن الديك فقال لا تلعنه ولا تسبه فإنه يدعو إلى الصلاة } . وقال أنس : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغت رجلا برغوث فلعنها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الأنبياء للصلاة } رواه أبو يعلى والبزار . .

التالي السابق


الخدمات العلمية