غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في مدح الخلوة .

وقد أكثر الناس من مدح الخلوة وكف رجل لرجل عن الاختلاط بالناس نثرا ونظما . قال بعضهم :

أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام الأنس لي ونما السرور     وأدبني الزمان فلا أبالي
هجرت فلا أزار ولا أزور     ولست بسائل ما دمت حيا
أسار الجيش أم ركب الأمير

وقال غيره : [ ص: 471 ]

اعكف على الكتب     وادرس تؤتى فخار النبوة
فالله قال ليحيى     خذ الكتاب بقوة

وقال آخر :

رأيت الانقباض أجل شيء     وأدعى في الأمور إلى السلامة
فهذا الخلق سالمهم ودعهم     فخلطتهم تقود إلى الملامة
ولا تعبأ بشيء غير شيء     يقود إلى خلاصك في القيامة

وقال شيخ مشايخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي : دخل رجل على أبي العباس ثعلب وهو ينظر في الكتب فقال له إلى متى هذا ؟ فأنشد في الحال :

إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا     واستخفوا جهلا بحق الجليس
أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤس     وأشغلونا كما هم بضبط الفلوس
فلزمنا البيوت نستكثر الخير     ونملي من الفضل بطون الطروس
لو تركنا وذاك كنا ظفرنا     كل أعمارنا بعلق نفيس
غير أن الزمان بث بنيه     فهم حسدونا على حياة النفوس

ومن نظم الفقير على ظهر كتاب الملح الغرامية في شرح منظومة ابن فرح اللامية شعر :

روح النفس في معان رقيقه     ونكات من الغرام رشيقه
وامح عن قلبك الهموم بنظم     كل من حازه أثار رحيقه
واغتذي بالفنون عن كل لهو     يغتدى بالنهي لغير حقيقه
واكتفي بالبيان عن ظل بان     وعن الغيد بالعلوم الدقيقه
واصحب السفر حيث كنت رفيقا     فاز من سفره يكون رفيقه
فهي عنوان عقل من يصحبها     عروة في المعاد تدعى وثيقه

وعلى كل حال من أفضل كل جليس ، مجالستك لكتاب أنيس . والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية