غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في المحبة في الله وما ورد في ثوابها .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف } وهذه الأخوة الخاصة هي التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه .

وقد علم أن الأخوة العامة في قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } فهي واقعة بينهم قبل عقده ، غير أنه زاد الأمر الخاص ، وهذه الأخوة هي التي توجب المحبة في الله عز وجل وهي أوثق عرى الإيمان أن يحب في الله ويبغض في الله . وتقدم أن من جملة السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقول : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } .

وعن أبي مسلم الخولاني قال : { أتيت مسجد أهل دمشق وإذا حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شاب فيهم أكحل [ ص: 482 ] العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي من هذا ؟ قال : هذا معاذ بن جبل ، فجئت من العشاء فلم يحضر ، فغدوت من الغد فلم يجئ ، فرحت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية ، فركعت ، ثم تحولت إليه ، قال فسلم فدنوت منه فقلت : إني أحبك في الله عز وجل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } . قال فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ بن جبل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه تبارك وتعالى يقول : { حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } ذكره الإمام ابن الجوزي في التبصرة . ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ { قلت لمعاذ والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك ولا قرابة بيني وبينك ، قال : فلأي شيء ؟ قلت : لله ، فجذب حبوتي ثم قال : أبشر إن كنت صادقا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء } الحديث .

وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال { : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأثر عن ربه تبارك وتعالى : حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتواصلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في } والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا .

واعلم أن هذا الثواب في هذه المحبة إنما يكون إذا كانت في الله خالصة لا يشوبها كدر ، وإذا قويت محبة الله عز وجل في القلب قويت محبة أوليائه والصالحين من عباده ، فلينظر الإنسان من يؤاخي ممن يحب ، ولا ينبغي أن يتخير إلا من سبر عقله ودينه .

وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهم .

عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح [ ص: 483 ] لله ، فقد استكمل إيمانه } ورواه أبو داود من حديث أبي أمامة بنحوه وليس فيه وأنكح لله .

وفي صحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي } . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث أحلف عليهن : لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له . وأسهم الإسلام ثلاثة : الصلاة والصوم والزكاة . ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ; ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم } الحديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد .

قال ابن الجوزي في التبصرة : كان يقال : اصحب من إذا صحبته زانك . وإذا خدمته صانك ; وإذا أصابتك خصاصة مانك ; وإن رأى منك حسنة سر بها ; وإن رأى منك سقطة سترها ; ومن إذا قلت صدق قولك ; ومن هو فوقك في الدين ; ودونك في الدنيا ; وكل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته ; فإذا صفت المحبة وخلصت وقع الشوق والتزاور وصار بذل المال أحقر الأشياء .

وقد كان عمر رضي الله عنه يذكر الأخ من إخوانه في بعض الليل فيقول : يا طولها من ليلة ; فإذا صلى المكتوبة غدا إليه واعتنقه .

وقال مجاهد : إذا مشى أحد المتحابين في الله إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر .

وروي عن معروف الكرخي رحمه الله أنه قال : امش ميلا ; صل جماعة ، امش ميلين ; صل جمعة ; امش ثلاثة أميال ; شيع حاجا أو معتمرا ، امش ستة أميال ; شيع غازيا في سبيل الله ; امش سبعة أميال بصدقة من رجل إلى رجل ; امش ثمانية أميال ; أصلح بين الناس ; امش تسعة أميال ; صل رحما وقرابة ; امش عشرة أميال في حاجة عيالك ; امش أحد عشر ميلا في معونة أخيك ; امش بريدا ; والبريد اثنا عشر ميلا ; زر أخا في الله عز وجل .

وقد قدمنا في الحديث { وحقت محبتي للمتباذلين في } .

التالي السابق


الخدمات العلمية