غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
" خاتمة قيل لابن مسعود رضي الله عنه : ما نستطيع قيام الليل ، قال : أبعدتكم ذنوبكم .

وقيل للحسن : أعجزنا قيام الليل ، قال : قيدتكم خطاياكم . وقال : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل .

وقال بعض السلف : أذنبت ذنبا فحرمت به قيام الليل ستة أشهر .

وقال الفضيل بن عياض قدس الله روحه : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك .

قال في اللطائف : ما يؤهل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودهم ومعاملتهم ، فأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهلونه ولا يرضونه لذلك ، ولذا قيل : ( شعر )

الليل لي ولأحبابي أحادثهم قد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا     لهم قلوب بأسراري لها ملئت
على ودادي وإرشادي لهم طبعوا [ ص: 505 ]     قد أثمرت شجرات الفهم عندهم
فما جنوا إذ جنوا مما به ارتفعوا     سروا فما وهنوا عجزا وما ضعفوا
وواصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا

وفي أثر مشهود { كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه ، فها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم ، فخاطبوني على المشاهدة ، وكلموني على حضوري ، غدا أقر أعين أحبابي في جناني } .

حكاية لطيفة وفي المورد العذب للإمام الحافظ ابن الجوزي روح الله روحه : قال عبد الواحد بن زيد : عصفت بنا الريح على جزيرة في البحر ، فإذا برجل يعبد صنما . فقلنا له أيها الرجل من تعبد ؟ فأومأ بيده إلى الصنم ، فقلنا له إن معنا في المركب من يعمل هذا ، قال فأنتم من تعبدون ؟ قلنا نعبد الله تعالى ، قال ومن هو ؟ قلنا الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي الأحياء والأموات قضاؤه . قال كيف علمتم هذا ؟ قلنا وجه إلينا رسولا أعلمنا به ، قال فما فعل الرسول ؟ قلنا قبضه الله إليه ، قال فهل ترك عندكم علامة ؟ قلنا : ترك عندنا كتاب الملك ، قال أرونيه ، فأتيناه بالمصحف فقال ما أعرف هذا ، فقرأنا عليه سورة وهو يبكي ، ثم قال ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يعصى ، فأسلم وحملناه معنا وعلمناه شرائع الإسلام وسورا من القرآن ، فلما جن الليل صلينا وأخذنا مضاجعنا ، فقال يا قوم الإله الذي دللتموني عليه أينام إذا جنه الليل ؟ قلنا لا يا عبد الله هو حي قيوم لا ينام ، قال بئس العبيد أنتم تنامون ومولاكم لا ينام ، فعجبنا من كلامه ، فلما قدمنا عبادان جمعنا له دراهم وأعطيناها له وقلنا له أنفقها ، قال لا إله إلا الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، أنا كنت في جزيرة في البحر أعبد صنما من دونه فلم يضيعني فكيف الآن وقد عرفته ، فلما كان بعد أيام أتاني آت فقال لي : إنه يعالج سكرات الموت ، فجئته وقلت ألك حاجة ؟ فقال قد قضى حوائجي من عرفتني به . فبينما أنا أكلمه إذ غلبتني عيناي فنمت فرأيت في المنام روضة وفي الروضة قبة وفيها سرير عليه جارية أجمل من الشمس تقول [ ص: 506 ] سألتك بالله عجل علي به ، فانتبهت فإذا به قد مات رحمه الله تعالى ، فجهزته لقبره ثم رأيته في المنام في القبة والجارية إلى جانبه وهو يتلو { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية