غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في أن الدعاء جوف الليل مستجاب : وناد إذا ما قمت في الليل سامعا قريبا مجيبا بالفواضل يبتدي ( وناد ) أي ادع ( إذا ما قمت ) أي في وقت قيامك وما زائدة ( في ) جوف ( الليل ) وهو ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني ربا ( سامعا ) مفعول ناد فإنه جل شأنه يسمع دعاء من دعاه ، ويبصر تضرع من تضرع إليه وناداه . فيسمع حركة النملة الدهماء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء . وقوله ( قريبا مجيبا ) وصفان له سبحانه وتعالى وهو منتزع من قوله سبحانه وتعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } ( بالفواضل ) أي الأيادي الجسيمة أو الجميلة . وفواضل المال ما يأتيك من غلته ومرافقه ، ولذا قالوا إذا عزب المال قلت فواضله . قال في النهاية : أي إذا بعدت الضيعة قل المرفق منها .

والجار والمجرور متعلق بقوله ( يبتدي ) أي يبتدي بالعطايا الجسيمة ; والمواهب الوسيمة ; من غير سؤال ، فكيف بعد السؤال والتضرع والابتهال .

وقد روى الإمام أحمد بإسناد لا بأس به عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { ما من مسلم ينصب وجهه إلى الله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له } .

وروى الإمام أحمد أيضا والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة والحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه [ ص: 509 ] الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا إذن نكثر . قال الله أكثر } ونحوه في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، والحاكم وقال صحيح الإسناد إلا أنه لم يذكر { أو يدخرها له في الآخرة } قال الجراحي في { قوله صلى الله عليه وسلم الله أكثر } يعني أكثر إجابة .

وفي رواية في حديث أبي هريرة { ما من مؤمن ينصب وجهه إلى الله تعالى يسأله إلا أعطاه إياها إما أن يجعلها له في الدنيا ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ما لم يعجل ، قالوا وما عجلته ؟ قال يقول دعوت الله عز وجل فلا أراه يستجاب لي } رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية