غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ولما ذكر الناظم روح الله روحه العلم وحث على طلبه والعمل به وتعليم الناس والحرص عليهم وإرشادهم وتعليمهم ما لهم وعليهم ، وكان من لازم ذلك عادة في الغالب الفقر حث على الصبر عليه وعلى القناعة باليسير فقال :

مطلب : في بيان فضيلة الصبر وأن الصبر على المصائب واجب : وكن صابرا بالفقر وادرع الرضا بما قلب الرحمن واشكره تحمد ( وكن ) أيها الأخ الصادق ، والحب الواثق ، والخل الموافق ، الدائب في تحصيل العلوم والمعارف ، الباذل وسعه لتقييد الدقائق واللطائف ، المحافظ على تخليد الرقائق والوظائف ( صابرا ) لتحظى بالمعية ، وعن ساق الجد حاسرا ذا فطنة ألمعية ، لتفوز بالأجر والفخر ، وتعد من أهل العزم والصبر .

فقد قال تعالى في كتابه المبين { إن الله مع الصابرين } والآيات في [ ص: 523 ] ذلك كثيرة معروفة ، والهمم العالية لنيل تلك المرتبة ناهضة مصروفة . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : الصبر في القرآن في تسعين موضعا .

واعلم أن الصبر عند أرباب التصوف خلق فاضل من أخلاق النفس ، يمنع من فعل ما لا يحسن ولا يجمل ، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها ، وقوام أمرها . وقال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه . وقد يجزع الإنسان وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين . إنما اختلفوا في وجوب الرضا . انتهى . وقد قال عليه الصلاة والسلام { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } رواه الشيخان . وفي لفظ { إنما الصبر عند أول صدمة } . وقال صلى الله عليه وسلم { الصبر ضياء } رواه مسلم وأبو داود .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } .

الهم على المكروه المستقبل ، والحزن على الماضي ، والغم على النازل بك المتلبس أنت به . والهم يسهر ، والغم ينوم ، والنصب التعب ، والوصب المرض .

قال الجنيد رحمه الله ورضي عنه وقد سئل عن الصبر : هو تجرع المرارة من غير تعبس .

وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } صبروا على ما أمروا به وعما نهوا عنه . فلهذه الأخبار وأضعاف أضعافها أمرك الناظم أن تكون صابرا متلبسا ( بالفقر ) ومصاحبا له . وهو بالفتح ويضم ضد الغنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية