غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في مراتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء

قال الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام : الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الدعاء وله ثلاث مراتب : إحداها أن يصلي قبل الدعاء وبعد حمد الله ، الثانية أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره ، الثالثة أن يصلي عليه في أوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما .

أما دليل المرتبة الأولى فحديث فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء } رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث صحيح .

وأما الثانية فحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تجعلوني كقدح الراكب } فذكر الحديث وقال : { اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره } رواه الطبراني .

وأما الثالثة فقال في جلاء الأفهام عن أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان الداراني رحمه الله يقول : من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وليسأل حاجته وليختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة والله سبحانه وتعالى أكرم أن يرد ما بينهما . انتهى .

وروى أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب } قال في جلاء الأفهام : رواه غير واحد عن أسيد [ ص: 25 ] كذلك ، ورواه إسحاق بن وهب العلاف عن بشر بن عبيد فقال عن حازم بن بكر عن يزيد بن عياض عن الأعرج عن أبي هريرة . قال وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم .

وروى سليمان بن الربيع عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب } وذكر الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام من طريق جعفر بن علي الزعفراني قال : سمعت خالي الحسن بن محمد يقول : رأيت أحمد بن حنبل رضي الله عنه في النوم فقال يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب كيف تزهو بين يدينا ؟ ولذا قال سفيان الثوري : لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي عليه ما دام اسمه في ذلك الكتاب صلى الله عليه وسلم .

وقال عبد الله بن عبد الحكم : رأيت الشافعي رضي الله عنه في النوم فقلت ما فعل الله بك ؟ فقال رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس ، ونثر علي كما ينثر على العروس ، فقلت بماذا بلغت هذه الحالة ؟ فقال لي قائل : بقولك في ( كتاب الرسالة ) من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قلت فكيف ذلك ؟ قال : وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون فلما أصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت صلى الله عليه وسلم . وذكر في جلاء الأفهام من هذا أشياء كثيرة .

وفي حديث ابن عباس مرفوعا { جاءني جبريل عليه السلام فقال إنه من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله وأسحقه ، فقلت آمين } رواه الترمذي وحسنه .

ومن حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه مرفوعا { أن جبريل عرض لي فقال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين } رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ، والترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعا { رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي } .

وعن الحسين بن علي رضوان الله عليهما عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 26 ] قال { البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي } رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه والترمذي وزاد في سنده علي بن أبي طالب وقال حديث حسن صحيح غريب .

وما أحسن قول الإمام الصرصري في ذلك :

من لم يصل عليه إن ذكر اسمه فهو البخيل وزده وصف جبان     وإذا الفتى في العمر صلى مرة
في سائر الأقطار والبلدان     صلى عليه الله عشرا فليزد
عبد ولا يجنح إلى نقصان

وأخرج النسائي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله عز وجل وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا عن أنتن من جيفة }

ورواه أبو داود الطيالسي إلا أنه قال { إلا قاموا عن أنتن جيفة } قال الإمام أبو عبد الله المقدسي : هذا على شرط مسلم .

وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومواطنها ومتعلقات ذلك أكثر من أن تذكر في مثل هذا المختصر . وإنما ذكرنا طرفا من ذلك ليكون كالأنموذج وما لا يدرك كله لا يترك بعضه .

التالي السابق


الخدمات العلمية