غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في الشكر على النعمة .

وقد علمت أن الرضا بالفقر مستحب ، وقيل واجب . وقد علمت مما تقدم أن الصبر واجب بلا خلاف ، وأرقى منه الرضا ، وأرقى منهما الشكر ، بأن ترى نفس الفقر مثلا نعمة من الله أنعم بها عليك ، وأن له عليك شكرها ، ولهذا المقام أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله ( واشكره ) أنت على ما أنعم عليك من الفراغ ، فإن ذلك نعمة منه سبحانه بشهادة [ ص: 534 ] { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ } . وتقدم أن الشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله وهذا معنى قول بعضهم هو أن لا يعصي الله بنعمه .

والشكر إما على محبوب ، وهذا - كما قال صاحب منازل السائرين - شاركت فيه المسلمين اليهود والنصارى والمجوس ، ومن سعة بر الباري أنه عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب له المثوبة ، وأما في المكاره ، وهذا ممن يستوي عنده الحالات إظهارا للرضا وممن يميز بين الأحوال كظما للشكوى ورعاية للأدب وسلوك مسلك العلم ، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة ، وأما من عبد استغرق في جمال الله تعالى فلا يشهد إلا المنعم ، فإذا شهد المنعم عبودة استعظم منه النعمة ، فإذا شهده حبا استحلى منه الشدة ، فإذا شهده تفريدا لم يشهد منه شدة ولا نعمة . وإلى مقام مشاهدته حبا واستحلاء الشدة منه أمرك الناظم بالشكر على تلك الشدة ; لأنها نعمة ، فإن فعلت ( تحمد ) بالجزم وحرك بالكسر للقافية على شكرك له سبحانه ، فإن شكر المنعم واجب ، والتحدث بالنعمة شكر ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، وباب الشكر واسع . ولله على العباد نعم لو أنفقوا جميع عمرهم في الطاعة من القيام والصيام والذكر ما أدوا شكر معشار عشرها ، فسبحان المنعم المتفضل على خلقه بنعمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية