غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
معنى الآل

( وآله ) أي أتباعه على دينه . قال الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام : قالت طائفة : يقال آل الرجل له نفسه ، وآله لمن تبعه ، وآله لأهله وأقاربه .

فمن الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أبو أوفى بصدقته { اللهم صل على آل أبي أوفى } وقوله تعالى { سلام على إل ياسين } وقوله صلى الله عليه وسلم { اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم } فآل إبراهيم هو ( إبراهيم ) لأن الصلاة المطلوبة للنبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة على إبراهيم نفسه ، وآله تبع له فيها . ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب ، وقالوا وما ذكروا من الأدلة المراد بها الأقارب . ثم اختار من القولين أن الآل إن أفرد دخل فيه المضاف إليه كقوله تعالى { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } وأما إن ذكر الرجل ثم ذكر آله لم يدخل فيهم .

[ ص: 27 ] واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال ، فقيل : هم الذين حرمت عليهم الصدقة ، وفيهم ثلاثة أقوال :

أحدها أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه .

والثاني : أنهم بنو هاشم خاصة ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، والرواية الثانية عن الإمام أحمد ، وهي المذهب الذي لا يفتى بغيره كما في الإقناع والمنتهى وغيرهما .

الثالث : أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب ، فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب ، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك .

القول الثاني : أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة ، حكاه ابن عبد البر في التمهيد .

والقول الثالث : أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة ، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم . وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

ذكره البيهقي واختاره بعض الشافعية . قلت : وغالب علمائنا المتأخرين في مقام الدعاء خاصة .

والقول الرابع : أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته ، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة . اشتقاق كلمة آل

وهل أصله أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل أأل ثم سهلت على قياس أمثالها فقيل آل بدليل تصغيره على أهيل ؟ أو أول من آل يئول إذا رجع ، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون ، ويئولهم أي يسوسهم فيكون مآلهم إليه . ظاهر كلامه في جلاء الأفهام ترجيح الثاني .

وفي القاموس : آله أهل الرجل وأتباعه وأولياؤه ، ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالبا ، فلا يقال آل الإسكاف كما يقال أهله . قال وأصله أهل أبدلت الهاء همزة فصارت أأل توالت همزتان فأبدلت الثانية ألفا تصغيره أويل وأهيل . انتهى .

قال في جلاء الأفهام : قال أصحاب القول الثاني : والتزمت العرب إضافته فلا يستعمل مفردا إلا نادرا كقول الشاعر :

نحن آل الله في بلدتنا لم نزل آلا على عهد إرم

[ ص: 28 ] والتزموا أيضا إضافته إلى الظاهر فلا يضاف إلى مضمر إلا قليلا .

وعند بعض العلماء إضافته إلى المضمر لحن قال ابن مالك : والصحيح ليس بلحن بل هو من كلام العرب لكنه قليل . قال تلميذه في كتابه المطلع : والصواب جواز إضافته إلى المضمر ومنه قول الشاعر :

أنا الفارس الحامي حقيقة والدي     وآلي فما تحمي حقيقة آلكا

وقال عبد المطلب في الفيل وأصحابه :

وانصر على آل الصلي     ب وعابديه اليوم آلك

فأضافه إلى الياء والكاف . وزعم بعض النحاة أنه لا يضاف إلا إلى علم من يعقل . وفي كلام العرب خلافه . قال الشاعر :

نجوت ولم يمنن عليك طلاقه     سوى زيد التقريب من آل أعوجا

وأعوج علم فرس .

وإنما أتبع الناظم الآل لرسول الملك المتعال لما تضافرت به الأخبار وصحت الآثار من قوله صلى الله عليه وسلم { قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم } إلى ما لا نحصيه عدا إلا بالإطالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية