صفحة جزء
المسألة الرابعة : تذاكرت بالمسجد الأقصى طهره الله مع شيخنا أبي بكر الفهري هذا الحديث عن أبي ثعلبة ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيه : { إن من ورائكم أيام الصبر للعامل فيها أجر خمسين منكم . فقالوا : بل منهم . فقال : بل منكم ; لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، وهم لا يجدون عليه أعوانا } ، وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة ، مع أنهم أسسوا الإسلام ، وعضدوا الدين ، وأقاموا المنار ، وافتتحوا الأمصار ، وحموا البيضة ، ومهدوا الملة ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { دعوا لي أصحابي ، فلو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه } .

فتراجعنا القول فكان الذي تنخل من القول ، وتحصل من المعنى لبابا أوضحناه في شرح الحديث الصحيح ، الإشارة إليه أن الصحابة كان لهم أعمال كثيرة فيها ما تقدم سرده ; وذلك لا يلحقهم فيه أحد ، ولا يداني شأوهم فيها بشر ، والأعمال سواها من [ ص: 229 ] فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم ، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام ، وهو أيضا انتهاؤه ; وقد كان قليلا في ابتداء الإسلام ، صعب المرام لغلبة الكفار على الحق ، وفي آخر الزمان أيضا يعود كذلك بوعد الصادق صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان ، وظهور الفتن ، وغلبة الباطل ، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق ، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه } .

وقال صلى الله عليه وسلم : { بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ } .

قال علماؤنا فلا بد والله أعلم بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد ، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف ، وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الأجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنا منه ، معانا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى ، وذلك لقوله : " لأنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون إليه أعوانا حتى ينقطع ذلك انقطاعا باتا ، لضعف اليقين ، وقلة الدين " كما قال صلى الله عليه وسلم : { لا تقوم [ ص: 230 ] الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله } . يروى برفع الهاء ونصبها من المكتوبة ، فإن رويت برفع الهاء كان معناه لا تقوم الساعة حتى لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل ، وإذا نصبت الهاء كان معناه لا تقوم الساعة حتى لا يبقى آمر بمعروف ، ولا ناه عن منكر يقول : خافوا الله ، وحينئذ يتمنى العاقل الموت ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه } . .

التالي السابق


الخدمات العلمية