صفحة جزء
المسألة الثالثة : إذا ثبت هذا من ظاهر الآية فحال الحامل حال المريض في أفعالها ، ولا خلاف بين علماء الأمصار أن فعل المريض فيما يهب أو يحابي في ثلثه .

وقال أبو حنيفة والشافعي : إنما ذلك فيما يكون حال الطلق ، فأما قبل ذلك فلا ; واحتجوا بأن الحمل عادة وأن الغالب فيه السلامة .

قلنا : كذلك أكثر المرض الغالب عليه السلامة ، وقد يموت من لم يمرض ، ولكن أخذا بظاهر الحال كذلك في مسألتنا .

وبالجملة فإن إنكار مرض الحامل عناد ظاهر ، فإذا ثبت هذا فقد حمل العلماء عليه المحبوس في قود أو قصاص ، وحاضر الزحف . [ ص: 357 ]

وأنكره الإمامان المذكوران وغيرهما ، فإذا استوعبت النظر لم ترتب في أن المحبوس على القتل أشد حالا من المريض ، وإنكار ذلك غفلة في النظر ; فإن سبب الموت موجود عندهما ، كما أن المرض سبب الموت ، وقد قال سبحانه : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون }

وهي : الآية الثانية والعشرون في الأحكام من غير السورة ، وذكرت هاهنا لاقتضاء القول إياها ، وإنما رأوا أسبابه ، وكذلك قال رويشد الطائي :

يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت     وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا
قولا يبرئكم إني أنا الموت

وقال سبحانه في سورة الأحزاب ، وهي :

الآية الثالثة والعشرون في الأحكام من غير السورة اقتضاها القول هاهنا : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا }

فكيف يقول الشافعي وأبو حنيفة : إن الحالة الشديدة إنما هي المبارزة ، وقد أخبر الله عن منازلة العدو ، وتداني الفريقين بهذه الحالة العظمى من بلوغ القلوب الحناجر ، ومن سوء الظنون بالله ، ومن زلزلة القلوب واضطرابها ، هل هذه الحال ترى على المريض أم لا ؟ فهذا كله لا يشك فيه منصف .

قال علماؤنا : هذا لمن ثبت في اعتقاده ، وجاهد في الله حق جهاده وشاهد الرسول وآياته ، فكيف بنا ؟ وإنما هو عندنا خبر من الأخبار لم يعرفه إلا الأحبار ، ولا [ ص: 358 ] قدره حق قدره إلا الأخيار ، وهذا كله يعرفكم قدر مالك على سائر العلماء في النظر ، ويبصركم استداده على سواء الفكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية