صفحة جزء
المسألة السادسة : لا خلاف أنه يصومه من رآه ، فأما من أخبر به فيلزمه الصوم ; لأن رؤيته قد تكون لمحة ، فلو وقف صوم كل واحد على رؤيته لكان ذلك سببا لإسقاطه ، إذ لا يمكن كل أحد أن يراه وقت طلوعه ، وإن وقت الصلاة الذي يشترك في دركه كل أحد ويمتد أمده يعلم بخبر المؤذن ، فكيف الهلال الذي يخفى أمره ويقصر أمده ، .

وقد اختلف العلماء في وجه الخبر عنه ; فمنهم من قال : يجزي فيه خبر الواحد كالصلاة قاله أبو ثور ; ومنهم من أجراه مجرى الشهادة في سائر الحقوق قاله مالك ; ومنهم من أجرى أوله مجرى الإخبار وأجرى آخره مجرى الشهادة ، وهو الشافعي ; وهذا تحكم ولا عذر له في الاحتياط للعبادة ، فإنه يحتاط لدخولها كما يحتاط لخروجها ، والاحتياط لدخولها ألا تلزم إلا بيقين .

وأما أبو ثور فاستظهر بما روي عن ابن عباس قال { : جاء أعرابي إلى رسول الله [ ص: 120 ] صلى الله عليه وسلم فقال : أبصرت الهلال الليلة ، فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ؟ قال : نعم . قال : يا بلال ; أذن في الناس فليصوموا غدا } . خرجه النسائي والترمذي وأبو داود .

وقال أبو داود : قال ابن عمر رضي الله عنه : { أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال ، فصام وأمر الناس بالصيام } ، واعترض بعضهم على خبر ابن عباس أنه روي مرسلا تارة وتارة مسندا ; وهذا مما لا يقدح عندنا في الإخبار ، وبه قال النظام ; لأن الراوي يسنده تارة ويرسله تارة أخرى ، ويسنده رجل ويرسله آخر .

وقيل : يحتمل حديث ابن عمر أن يكون رآه غيره قبله ، وهذا تحكم وزيادة على السبب ، ولو كان هذا جائزا لبطل كل خبر بتقدير الزيادة فيه .

فإن قيل : نؤيده بالأدلة ، قلنا : لا دليل ، إنما الصحيح فيه قبول الخبر من العدل ولزوم العمل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية