صفحة جزء
[ ص: 458 ] الآية السادسة قوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } .

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى : قوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك } : معناه سأل جوارك ، أي أمانك وذمامك فأعطه إياه ليسمع القرآن ; فإن قبل أمرا فحسن ، وإن أبى فرده إلى مأمنه ; ولهذا قال مالك : إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين ، فقال : جئت أطلب الأمان ، فقال مالك : هذه أمور مشكلة ، وأرى أن يرد إلى مأمنه ، والآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام ; فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين ، والنظر فيما يعود عليهم به منفعة ; وذلك يكون من أمير أو مأمور ; فأما الأمير فلا خلاف في أن إجارته جائزة ; لأنه مقدم للنظر والمصلحة ، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار .

وأما إن كان رعية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويرد عليهم أقصاهم } .

والذي منهم غير الأمير ، وهو حر أو عبد أو امرأة أو صبي ، فأما الحر فيمضي أمانه عند كافة العلماء ، إلا أن ابن حبيب من أصحابنا قال : ينظر الإمام فيه ، وهذا ليس بصحيح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز جواره في هذا الحديث وكذلك أمضاه عمر على الناس ، وتوعد بالقتل من رده ، فقال : " لا يقولن أحدكم للعلج إذا اشتد في الحبل مطرس فإذا سكن إلى قوله قتله ; فإني لا أوتى بأحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه " .

[ ص: 459 ] وأما العبد : فله الأمان في مشهور المذهب ; وبه قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة : لا أمان له ، وهو القول الثاني لعلمائنا ، وكأن أبا حنيفة رأى أن من لا يسهم له في الغنيمة من عبد أو امرأة أو صبي لا أمان له ، لأنه إسقاط ، فكيف يسقط ما ليس له فيه حق .

وعمدة المالكية أن عموم الحديث يدخل فيه العبد والمرأة ، ولأن أبا حنيفة ناقض فقال : إذا أذن له سيده في القتال جاز أمانه ، ولا يصح أن يسلب جواز الأمن من الإذن في القتال ; لأنه صده ، فدل على أنه إنما استفاده بالإسلام والآدمية .

وأما الصبي : فعدم تكليفه يسقط قوله بلا كلام ، إلا أن المالكية قالت : إذا أطاق القتال صار في جملة الجيش ; وقد تقدم دليل ذلك ; وجاز أمانه ; لأنه قد صار من جملة المقاتلة ، ودخل في الفئة الحامية .

التالي السابق


الخدمات العلمية