صفحة جزء
ثم إن الحلي لا زكاة فيه ; فيتنخل من هذا أن كل ذهب أو فضة أديت زكاتهما ، أو اتخذت حليا فليسا بكنز ، وذلك قوله سبحانه : { والذين يكنزون الذهب } الآية .

وهذا يدل على أن الكنز في الذهب والفضة خاصة ، وأن المراد بالنفقة الواجب لقوله : { فبشرهم بعذاب أليم } ولا يتوجه العذاب إلا على تارك الواجب .

فإن قيل : فما الدليل على أن الحلي لا زكاة فيه وهي : المسألة السابعة : قلنا : اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا ، أصله قول مالك والشافعي : لا زكاة في الحلي المباح .

وقال أبو حنيفة : تجب فيه الزكاة .

ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء .

فأما أبو حنيفة : فأخذ بعموم الألفاظ في إيجاب الزكاة في النقدين ولم يفرق بين حلي وغيره .

[ ص: 490 ] وأما علماؤنا فقالوا : إن قصد التملك لما أوجب الزكاة في العروض ، وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة ، كذلك قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليا يسقط الزكاة ، فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب ، وتخصيص ما عم وشمل .

وقد قال بعض الناس : إن ما زاد على أربعة آلاف كنز ، وعزوه إلى علي . وليس بشيء يذكر ، لبطلانه .

أما إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا ، وأشار بيده يفرقها } .

قال أبو ذر : الأكثرون أصحاب عشرة آلاف ، يريد أن الأكثرين مالا هم الأقلون يوم القيامة ثوابا ، إلا من فرقه في سبيل الله .

وهذا بيان لنقصان المرتبة بقلة الصدقة ، لا لوجوب التفرقة بجميع المال ، ما عدا الصدقة الواجبة ، يبينه ما روى الترمذي عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال : لما نزلت : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة . لو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال : أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه } .

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا جوابا لمن علم رغبته في المال فرده إلى منفعة المال ، لما فيه من الفراغ ، وعدم الاشتغال .

[ ص: 491 ] وقد بين أيضا في مواضع أخر : أي المال خير في حالة أم أخرى لقوم آخرين ؟ فقال : { خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن } .

التالي السابق


الخدمات العلمية