الآية الثامنة والعشرون : قوله تعالى { 
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير   } . 
فيها ثلاث مسائل : 
المسألة الأولى : [ المجاهدة ] : فيها ثلاثة أقوال : 
الأول : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود    : جاهدهم بيدك ، فإن لم تستطع فبلسانك ، فإن لم تستطع فقطب في وجوههم .  
[ ص: 544 ] الثاني : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : 
جاهد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان . 
الثالث : قال 
الحسن    : جاهد الكفار بالسيف ، والمنافقين بإقامة الحدود عليهم . 
واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة  ، وكانوا أكثر من يصيب الحدود . 
المسألة الثانية : قال علماء الإسلام ما تقدم ، فأشكل ذلك واستبهم ، ولا أدري صحة هذه الأقوال في السند . 
أما المعنى فإن من المعلوم في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجاهد الكفار بالسيف على اختلاف أنواعهم ، حسب ما تقدم بيانه . 
وأما المنافقون فكان مع علمه بهم يعرض عنهم ، ويكتفي بظاهر إسلامهم ، ويسمع أخبارهم فيلغيها بالبقاء عليهم ، وانتظار الفيئة إلى الحق بهم ، وإبقاء على قومهم ، لئلا تثور نفوسهم عند قتلهم ، وحذرا من سوء الشنعة في أن يتحدث الناس أن 
محمدا  يقتل أصحابه ; فكان لمجموع هذه الأمور يقبل ظاهر إيمانهم ، وبادئ صلاتهم ، وغزوهم ، ويكل سرائرهم إلى ربهم ، وتارة كان يبسط لهم وجهه الكريم ، وأخرى كان يظهر التغيير عليهم . 
وأما إقامة الحجة باللسان فكانت دائمة ، وأما قول من قال : إن 
جهاد المنافقين بإقامة الحدود فيهم لأن أكثر إصابة الحدود كانت عندهم ، فإنه دعوى لا برهان عليها ، وليس العاصي بمنافق ، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا ، وأخبار المحدودين يشهد مساقها أنهم لم يكونوا منافقين .