صفحة جزء
الآية الموفية ثلاثين قوله تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } .

فيها عشر مسائل :

المسألة الأولى : هذه الآية اختلف في شأن نزولها على ثلاثة أقوال :

الأول : أنها نزلت في شأن مولى لعمر قتل حميما لثعلبة ، فوعد إن وصل إلى الدية أن يخرج حق الله فيها ، فلما وصلت إليه الدية لم يفعل .

الثاني : أن ثعلبة كان له مال بالشام فنذر إن قدم من الشام أن يتصدق منه ، فلما قدم لم يفعل .

الثالث : وهو أصح الروايات أن { ثعلبة بن حاطب الأنصاري المذكور قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني مالا أتصدق منه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك يا ثعلبة ، قليل [ ص: 547 ] تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه . ثم عاود ثانية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تصير معي الجبال ذهبا وفضة لصارت . فقال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني لأعطين كل ذي حق حقه . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة ، فتنحى عنها ، ونزل واديا من أوديتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو حتى ترك الجمعة ، وطفق يلقى الركبان يوم الجمعة ويسألهم عن الأخبار ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، فأخبر بكثرة غنمه وبما صار إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ويح ثعلبة ثلاث مرات ، فنزلت : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } . ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة : رجل من جهينة ، وآخر من بني سليم ، وأمرهما أن يمرا بثعلبة وبرجل آخر من بني سليم ، يأخذان منهما صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا ؟ انطلقا حتى تفرغا وعودا . وسمع بهما السلمي ، فعمد إلى خيار إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهما بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ منك هذا . قال : بل فخذوه . فإن نفسي بذلك طيبة ، فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما وكان النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهما كتابا في حدود الصدقة ، وما يأخذان من الناس فأعطياه الكتاب ، فنظر إليه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، فانطلقا عني حتى أرى رأيي . فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمي بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلمي ; فأنزل الله : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } الآية ; وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل أن يقبل صدقته منه ، فقال : إن الله منعني أن [ ص: 548 ] أقبل منك صدقتك فقام يحثو التراب على رأسه ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد أمرتك فلم تطعني فرجع ثعلبة إلى منزله ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى أبي بكر فلم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى عثمان بعد عمر فلم يقبض منه شيئا ، وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه } . وهذا الحديث مشهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية