صفحة جزء
المسألة الثالثة : قال ابن وهب : قال لي مالك : لم يكن من فتيا المسلمين أن يقولوا : هذا حرام وهذا حلال ، ولكن يقولون : إنا نكره هذا ، ولم أكن لأصنع هذا ، فكان الناس يطيعون ذلك ، ويرضون به . ومعنى هذا أن التحريم والتحليل إنما هو لله كما تقدم [ ص: 167 ] بيانه ; فليس لأحد أن يصرح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون الباري يخبر بذلك عنه ، وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره كذا ، وكذلك كان مالك يفعل ; اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى . فإن قيل : فقد قال فيمن قال لزوجته : أنت علي حرام أنها حرام وتكون ثلاثا . قلنا : سيأتي بيان ذلك في سورة التحريم إن شاء الله .

ونقول هاهنا : إن الرجل هو الذي ألزم ذلك لنفسه ، فألزمه مالك ما التزم .

جواب آخر : وهو أقوى ; وذلك أن مالكا لما سمع علي بن أبي طالب يقول : إنها حرام أفتى بذلك اقتداء به ، وقد يتقوى الدليل على التحريم عند المجتهد ، فلا بأس أن يقول ذلك عندنا ، كما يقول : إن الربا حرام في غير الأعيان الستة التي وقع ذكرها في الربا ، وهي الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح ، وكثيرا ما يطلق مالك ، فذلك حرام لا يصلح في الأموال الربوية ، وفيما خالف المصالح ، وخرج عن طريق المقاصد ، لقوة الأدلة في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية