صفحة جزء
المسألة الثالثة : { غسق الليل } : فيه ثلاثة أقوال :

الأول : إقبال ظلمته .

الثاني : اجتماع ظلمته .

الثالث : مغيب الشفق .

وقد قيدت عن بعض العلماء أن الدلوك إنما سمي به ; لأن الرجل يدلك عينيه إذا نظر إلى الشمس فيه ، أما في الزوال فلكثرة شعاعها ، وأما في الغروب فليتبينها ، وهذا لو نقل عن العرب لكان قويا ، وقد قال الشاعر :

هذا مقام قدمي رباح حتى يقال دلكت براح

كقوله قطام وجذام ، وفي ذلك كلام .

وقد روى مالك في الموطإ عن ابن عباس أنه قال : دلوك الشمس ميلها . وغسق [ ص: 210 ] الليل اجتماع الليل وظلمته ورواية مالك عنه أصح من رواية غيره ، وهو اختيار مالك في تأويل هذه الآية . وقد روي أن ابن مسعود صلى المغرب والناس يتمارون في الشمس لم تغب ، فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : نرى أن الشمس لم تغب . قال : هذا والذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة ، ثم قرأ : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } ; قال : وهذا دلوك الشمس ، وهذا غسق الليل . وتحقيق ذلك : أن الدلوك هو الميل ، وله أول عندنا وهو الزوال ، وآخر وهو الغروب ، وكذلك الغسق هو الظلمة ، ولها ابتداء وانتهاء ، فابتداؤها عند دخول الليل ، وانتهاؤها عند غيبوبة الشفق ، فرأى مالك أن الآية تضمنت الصلوات الخمس ، فقوله : دلوك الشمس يتناول الظهر والعصر ، وقوله : { غسق الليل } اقتضى المغرب والعشاء ، وقوله : { قرآن الفجر } اقتضى صلاة الصبح ، وهي :

المسألة الرابعة : وسمى صلاة الصبح قرآنا ليبين أن ركن الصلاة ومقصودها الأكبر الذكر بقراءة القرآن ، ولقوله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } ; معناه صلوا على ما يأتي بيانه إن شاء الله ، أطول الصلوات قراءة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : { قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله : حمدني عبدي } . { ويقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي علمه الصلاة : اقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر معك من القرآن } ، معناه صلوا على ما يأتي بيانه ، إن شاء الله ، وهي أطول الصلوات قراءة .

التالي السابق


الخدمات العلمية