صفحة جزء
: قوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } : فيها أربع مسائل : [ ص: 284 ]

المسألة الأولى : في ذكر التفث : قال القاضي الإمام : هذه لفظة غريبة عربية لم يجد أهل المعرفة فيها شعرا ، ولا أحاطوا بها خبرا ، وتكلم السلف عليها على خمسة أقوال :

الأول : قال ابن وهب عن مالك : التفث حلق الشعر ، ولبس الثياب ، وما أتبع ذلك مما يحل به المحرم .

الثاني : أنه مناسك الحج ; رواه ابن عمر ، وابن عباس . الثالث : حلق الرأس قاله قتادة . الرابع : رمي الجمار قاله مجاهد . الخامس : إزالة قشف الإحرام ، من تقليم أظفار ، وأخذ شعر ، وغسل ، واستعمال طيب قاله الحسن ، وهو قول مالك الأول .

فأما قول ابن عباس وابن عمر فلو صح عنهما لكان حجة ، لشرف الصحبة والإحاطة باللغة .

وأما قول قتادة إنه حلق الرأس فمن قول مالك .

وأما قول مجاهد إنه رمي الجمار فمن قول ابن عمر وابن عباس ، ثم تتبعت التفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قد قال : إنه قص الأظفار ، وأخذ الشارب ، وكل ما يحرم على المحرم ، إلا النكاح ، ولم يجيء فيه بشعر يحتج به .

وقال صاحب العين : التفث هو الرمي ، والحلق ، والتقصير ، والذبح ، وقص الأظفار والشارب ، ونتف الإبط .

وذكر الزجاج والفراء نحوه ، ولا أراه أخذه إلا من قول العلماء .

وقال قطرب : تفث الرجل إذا كثر وسخه ، وقال أمية بن أبي الصلت : حفوا رءوسهم لم يحلقوا تفثا ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا [ ص: 285 ] وإذا انتهيتم إلى هذا المقام ظهر لكم أن ما ذكر أشار إليه أمية بن أبي الصلت ، وما ذكره قطرب هو الذي قاله مالك ; وهو الصحيح في التفث ، وهذه صورة قضاء التفث لغة .

وأما حقيقته الشرعية فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه ، وحلق رأسه ، وأزال وسخه ، وتطهر وتنقى ، ولبس الثياب ، فيقضي تفثه وأما وفاء نذره ، وهي :

التالي السابق


الخدمات العلمية