صفحة جزء
[ ص: 397 ] المسألة السادسة : قوله تعالى : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم }

يعني يطلبون الكتاب ، يريد المكاتبة على مال يدفعونه إلى ساداتهم ، فافعلوا ذلك لهم ، فذكر الله طلب العبد للمكاتبة ، وأمر السيد بها حينئذ ; وهي حالتان :

الأولى : أن يطلبها العبد ، ويجيبه السيد ; فهذا مطلق الآية وظاهرها .

الثانية : أن يطلبها العبد ; ويأباها السيد ; وفيه قولان :

الأول : لعكرمة وعطاء أن ذلك واجب على السيد .

وقال سائر علماء الأمصار : لا يجب ذلك عليه . وتعلق من أوجبها بمطلق قوله تعالى { فكاتبوهم } . وافعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره ، وهذه مسألة أصولية قد بيناها في أصول الفقه ولا نسلمها لهم ، بل نقول إن لفظ " افعل " لاقتضاء الفعل ، والوجوب يكون بتعلق الذم بتركه ، والاقتضاء يستقل به الاستحباب ، فأين دليل الوجوب ؟ وهذا هو الأصل الذي لا مزعزع له .

أما إن من علمائنا المتمرسين بالفقه سلموا أن مطلق " افعل " على الوجوب ، وادعوا أن الدليل هاهنا قد قام على سقوط الوجوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن الكتابة إذا طلبها العبد ففيها إخراج ملك السيد من يده بغير اختياره ، ولا أصل لذلك في الشريعة ، بل أصول الشريعة كلها تقتضي ألا يخرج أحد عن يده إلا باختياره . وما جاء بخلاف الأصول لا يلتفت إليه .

وهذا لا يلزم ; لأن الآية عندنا أو الحديث إذا جاء بخلاف الأصول فهو أصل بنفسه ، ويرجع إليه في بابه ، ويجري على حكمه ، كما بيناه في مسائل المضرات من كتب الخلاف ، وفي تعارض الأدلة من كتب أصول الفقه .

الثاني : قالوا : إنما يكون مطلق الأمر يقتضي الوجوب إذا تعرى عن قرينة ، وهاهنا قرينة تقتضي صرفه عن الوجوب ، وهو تعليقه بشرط علم الخير فيه ، فتعلق الوجوب على أمر باطن ، وهو علم السيد بالخير فيه . [ ص: 398 ] وإذا قال العبد ، كاتبني ، فقال السيد : لم أعلم فيك خيرا ، وهو أمر باطن ; فيرجع فيه إليه ، ويعول عليه ، وهو قوي في بابه .

الثالث : قال علماؤنا : مال العبد وأكسابه ملك السيد ، ورقبته ملك له ; فإذا قال العبد : خذ كسبي وخلص رقبتي فهو يطالبه بتفويت ملكه عنه ، فكأنه يقول : أعتقني .

وذلك لا يلزم ، وهو كلام قوي في الباب على مثبتي الاجتهاد ; ومن رده لا يلتفت إليه . المسألة السابعة : قوله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : أنه القدرة على السعي والاكتساب ; وبه قال مالك والشافعي .

الثاني : أن الخير المال ; وهو قول عطاء .

الثالث : أنه الوفاء والصدق والأمانة ; وهو قول الشافعي الثاني .

فأما القول الأول بأنه المال فلا إشكال فيه .

وأما القدرة على الأداء بحسن السعي والاكتساب فظاهر أنه يلحق به لأنه مال منجم يجتمع في مدة الأجل . وأما من قال : إنه الصدق والأمانة فكأنه نظر إلى معنى هو مشروط في كل طاعة وفعل ، فلا تختص هذه الكتابة باشتراطه وحدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية