صفحة جزء
[ ص: 472 ] الآية الثانية

قوله تعالى : { علمنا منطق الطير } : فيها مسألتان : المسألة الأولى : القول في منطق الطير ، وهو صوت تتفاهم به في معانيها على صيغة واحدة ، بخلاف منطقنا ، فإنه على صيغ مختلفة ، نفهم به معانيها .

قال علماؤنا : وفي المواضعات غرائب ; ألا ترى أن صوت البوق تفهم منه أفعال مختلفة من حل وترحال ، ونزول وانتقال ، وبسط وربط ، وتفريق وجمع ، وإقبال وإدبار ، بحسب المواضعة والاصطلاح .

وقد كان صاحبنا مموس الدريدي يقرأ معنا ببغداد ، وكان من قوم كلامهم حروف الشفتين ، ليس لحروف الحلق عندهم أصل .

فجعل الله لسليمان معجزة فهم كلام الطير والبهائم والحشرات ; وإنما خص الطير لأجل سوق قصة الهدهد بعدها . ألا تراه كيف ذكر قصة النمل معها ، وليست من الطير .

ولا خلاف عند العلماء في أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول .

وقد قال الشافعي : الحمام أعقل الطير . وقد قال علماء الأصوليين : انظروا إلى النملة كيف تقسم كل حبة تدخرها نصفين لئلا ينبت الحب ، إلا حب الكزبرة فإنها تقسم الحبة منه على أربع ; لأنها إذا قسمت بنصفين تنبت ، وإذا قسمت بأربعة أنصاف لم تنبت .

وهذه من غوامض العلوم عندنا ، وأدركتها النمل بخلق الله ذلك لها .

وقال الأستاذ أبو المظفر شاه نور الإسفراييني : ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث [ ص: 473 ] العالم ، وخلق المخلوقات ، ووحدانية الإله ، ولكنا لا نفهم عنهم ، ولا تفهم عنا ، أما أنا نطلبها وهي تفر منا فبحكم الجنسية .

المسألة الثانية : روى ابن وهب عن مالك أن سليمان النبي مر على قصر بالعراق ، فإذا فيه كتاب :

خرجنا من قرى إصطخر إلى القصر فقلناه     فمن سال عن القصر
فمبنيا وجدناه

وعلى القصر نسر ، فناداه سليمان ، فأقبل إليه ، فقال : مذ كم أنت هاهنا ؟ قال : مذ تسعمائة سنة . ووجدت القصر على هيئته . قال القاضي : قرأت بمدينة السلام على أبي بكر النجيب بن الأسعد قال : أنبأنا محمد بن فتوح الرصافي ، أنبأنا الخطيب أبو بكر الحافظ ، حدثني أبو القاسم عبد الله بن محمد الرفاعي ، أنبأنا علي بن محمد بن أحمد الفقيه بأصبهان ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أسيد ، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، حدثنا عبد الله بن علي بن يحيى الإفريقي ، حدثنا عبد الملك بن حبيب عن مالك بن أنس ، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب : كان سليمان بن داود يركب الريح من إصطخر فيتغدى ببيت المقدس ، ثم يعود فيتعشى بإصطخر . فقال : إن ابن حبيب أدرك مالكا ، وما أراه ولا هذا الحديث إلا مقطوعا . والله أعلم .

وروى مالك وغيره في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ، ثم أمر ببيتها فأحرق ، فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة } .

التالي السابق


الخدمات العلمية