صفحة جزء
الآية الخامسة قوله تعالى : { فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } .

فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : القول في التبسم : وهو أول الضحك ، وآخره بدو النواجذ ; وذلك يكون مع القهقهة ، وجل ضحك الأنبياء التبسم . المسألة الثانية : من الضحك مكروه ، لقوله : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } .

ومن الناس من كان لا يضحك ; اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف ، وإن كان عبدا طائعا . ومن الناس من يضحك ، وإنما قال الله في الكفار : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } لما كانوا عليه من النفاق يعني ضحكهم في الدنيا وهو تهديد لا أمر بالضحك .

وقالت عائشة : { جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رفاعة طلقها فبت طلاقها ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وقالت : يا رسول الله ; والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة الهدبة أخذتها من جلبابها ، وأبو بكر الصديق وخالد جالسان عند النبي صلى الله عليه وسلم وإن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له ، فطفق خالد ينادي : [ ص: 477 ] يا أبا بكر ، انظر ما تجهر به هذه المرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم . ثم قال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة . } الحديث .

{ واستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته ; فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك . فقال : أضحك الله سنك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فقال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك تبادرن الحجاب } وذكر الحديث .

وروى عبد الله بن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بالطائف قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله . فقال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نبرح حتى نفتحها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فاغدوا على القتال . قال : فغدوا ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، وكثرت الجراحات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا إن شاء الله قال : فسكتوا . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم } .

وقال أبو هريرة { : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت ، وأهلكت ، وقعت على أهلي في رمضان . قال : اعتق رقبة . قال : ليس لي مال . قال : فصم شهرين متتابعين . قال : لا أستطيع . قال : فأطعم ستين مسكينا . قال : لا أجد . قال : فأتى رسول الله بعرق تمر . والعرق : المكتل . فقال : أين السائل ؟ تصدق بهذا [ ص: 478 ] قال : أعلى أفقر مني ، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا . فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . قال : فأنتم إذا } .

ولما سأله الناس المطر فأمطروا ، ثم سألوه الصحو ضحك .

المسألة الثالثة : قال علماؤنا : إن قيل : من أي شيء ضحك سليمان ؟ قلنا : فيه أقوال : أصحها أنه ضحك من نعمة الله عليه في تسخير الجيش وعظيم الطاعة ، حتى لا يكون اعتداء .

ولذلك قال : { أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه } وهو حقيقة الشكر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية